للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علومه واطلاعه على أمر الله، فهو يتوب من المنزلة الأولى إلى الأخرى، والتوبة هنا لغوية.

وقوله تعالى: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ الآية، هذا هو الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى» ، ومعنى مِنْهُمْ أن يعرفوه ويتحققوا فضله ويشفق عليهم ويحرص، ويَتْلُوا في موضع نصب نعت لرسول أي تاليا عليهم، ويصح أن يكون في موضع الحال، والآيات آيات القرآن، والْكِتابَ القرآن، ونسب التعليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث هو يعطي الأمور التي ينظر فيها ويعلم طرق النظر بما يلقيه الله إليه ويوحيه، وقال قتادة: الْحِكْمَةَ السنة وبيان النبي صلى الله عليه وسلم الشرائع، وروى ابن وهب عن مالك: أن الحكمة الفقه في الدين والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى، ويُزَكِّيهِمْ معناه يطهرهم وينميهم بالخير، ومعنى الزكاة لا يخرج عن التطهير أو التنمية، والْعَزِيزُ الذي يغلب ويتم مراده ولا يرد، والْحَكِيمُ المصيب مواقع الفعل المحكم لها.

قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣٠ الى ١٣٢]

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)

مَنْ استفهام في موضع رفع بالابتداء، ويَرْغَبُ خبره، والمعنى يزهد فيها ويربأ بنفسه عنها، والملة الشريعة والطريقة، وسَفِهَ من السفه الذي معناه الرقة والخفة، واختلف في نصب نَفْسَهُ، فقال الزجاج: سَفِهَ بمعنى جهل وعداه بالمعنى، وقال غيره: سَفِهَ بمعنى أهلك، وحكى ثعلب والمبرد أن سفه بكسر الفاء يتعدى كسفه بفتح الفاء وشدها، وحكي عن أبي الخطاب أنها لغة، وقال الفراء نصبها على التمييز.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: لأن السفه يتعلق بالنفس والرأي والخلق، فكأنه ميزها بين هذه ورأوا أن هذا التعريف ليس بمحض لأن الضمير فيه الإبهام الذي في مَنْ، فكأن الكلام:

إلا من سفه نفسا، وقال البصريون: لا يجوز التمييز مع هذا التعريف، وإنما النصب على تقدير حذف «في» ، فلما انحذف حرف الجر قوي الفعل، وهذا يجري على مذهب سيبويه فيما حكاه من قولهم ضرب فلان الظهر والبطن أي في الظهر والبطن، وحكى مكي أن التقدير إِلَّا مَنْ سَفِهَ قوله نَفْسَهُ على أن نفسه تأكيد حذف المؤكد وأقيم التوكيد مقامه قياسا على النعت والمنعوت.

قال القاضي أبو محمد: وهذا قول متحامل، و «اصطفى» «افتعل» من الصفوة معناه تخير الأصفى، وأبدلت التاء طاء لتناسبها مع الصاد في الإطباق، ومعنى هذا الاصطفاء أنه نبأه واتخذه خليلا، وفِي الْآخِرَةِ متعلق باسم فاعل مقدر من الصلاح، ولا يصلح تعلقه ب الصَّالِحِينَ لأن الصلة لا تتقدم الموصول، هذا على أن تكون الألف واللام بمعنى الذي، وقال بعضهم: الألف واللام هنا للتعريف

<<  <  ج: ص:  >  >>