للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ أي لا هي أيم ولا ذات زوج، وهذا تشبيه بالشيء المعلق من شيء لأنه لا على الأرض استقر، ولا على ما علق منه انحمل، وهذا مطرد في قولهم في المثل: أرض من المركب بالتعليق، وفي عرف النحويين في تعليق الفعل، ومنه في حديث أم زرع قول المرأة: زوجي العشنق، إن انطلق أطلق، وإن أسكت أعلق، وقرأ أبيّ بن كعب «فتذروها كالمسجونة» وقرأ عبد الله بن مسعود «فتذروها كأنها معلقة» ثم قال تعالى وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا أي وإن تلتزموا ما يلزمكم من العدل فيما تملكون فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً لما لا تملكونه متجاوزا عنه، وقال الطبري: معنى الآية، غفورا لما سلف منكم من الميل كل الميل قبل نزول الآية.

قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: فعلى هذا فهي مغفرة مخصصة لقوم بأعيانهم، واقعوا المحظور في مدة النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء في التي قبل وَإِنْ تُحْسِنُوا وفي هذه وَإِنْ تُصْلِحُوا لأن الأول في مندوب إليه، وهذه في لازم، لأن الرجل له هنالك أن لا يحسن وأن يشح ويصالح بما يرضيه، وفي هذه ليس له أن يصلح، بل يلزمه العدل فيما يملك.

قوله تعالى:

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٠ الى ١٣٣]

وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (١٣٠) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (١٣١) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (١٣٣)

الضمير في قوله يَتَفَرَّقا للزوجين اللذين تقدم ذكرهما، أي إن شح كل واحد منهما فلم يتصالحا لكنهما تفرقا بطلاق فإن الله تعالى يغني كل واحد منهما عن صاحبه بفضله ولطائف صنعه، في المال والعشرة، والسعة وجود المرادات والتمكن منها، وذهب بعض الفقهاء المالكيين إلى أن التفرق في هذه الآية هو بالقول، إذ الطلاق قول، واحتج بهذه على قول النبي صلى الله عليه وسلم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» إذ مذهب مالك في الحديث أنه التفرق بالقول لا بالبدن.

قال القاضي أبو محمد: ولا حجة في هذه الآية، لأن إخبارها إنما هو من افتراقهما بالأبدان، وتراخي المدة بزوال العصمة، و «الإغناء» إنما يقع في ثاني حال، ولو كانت الفرقة في الآية الطلاق لما كان للمرأة فيها نصيب يوجب ظهور ضميرها في الفعل، وهذه نبذة من المعارضة في المسألة، و «الواسع» معناه: الذي عنده خزائن كل شيء.

وقوله تعالى: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تنبيه على موضع الرجاء لهذين المفترقين، ثم جاء بعد ذلك قوله وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تنبيها على استغنائه عن

<<  <  ج: ص:  >  >>