موضع، ولا يراعي حركة ما قبلها، قال: فربما كان خط مصحف عبد الله بألف كما في مصحف الجماعة، لكن كان يلفظ بها: «برىء» بكسر الراء.
وقوله: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي قالت فرقة: الاستثناء متصل، وكانوا يعرفون الله ويعظمونه، إلا أنهم كانوا يشركون معه أصنامهم، فكأن إبراهيم قال لهم: أنا لا أوافقكم إلا على عبادة الله الفاطر. وقالت فرقة:
الاستثناء منقطع، والمعنى: لكن الذي فطرني معبودي، وعلى هذا فلم يكونوا يعبدون الله إلا قليلا ولا كثيرا، وعلل إبراهيم لقومه عبادته بأنه الهادي المنجي من العذاب، وفي هذا استدعاء لهم وترغيب في الله وتطميع برحمته، والضمير في قوله: وَجَعَلَها كَلِمَةً قالت فرقة: ذلك عائد على كلمته بالتوحيد في قوله:
إِنَّنِي بَراءٌ وقال مجاهد وقتادة والسّدي، ذلك مراد به: لا إله إلا الله، وعاد الضمير عليها وإن كانت لم يجر لها ذكر، لأن اللفظ يتضمنها. وقال ابن زيد: المراد بذلك: الإسلام ولفظته، وذلك قوله عليه السلام:
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: ١٢٨] وقوله: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة: ١٣١] وقول الله تعالى هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج: ٧٨] . والعقب: الذرية وولد الولد ما امتد فرعهم.
قوله عز وجل: بَلْ مَتَّعْتُ الآية، كلام متصل بما قبله، لأنه لما قال في عقبه، وكانت قريش من عقبه، اقتضى الكلام أن يقدر فيه لكن هؤلاء ليسوا ممن بقيت الكلمة فيهم بل متعتهم. والمعنى في الآية:
بل أمهلت هؤلاء ومتعتهم بالنعمة مع كفرهم حتى جاءهم الحق والرسول، وذلك هو شرع الإسلام.
والرسول: محمد عليه السلام.
و: «متعت» بضم التاء هي قراءة الجمهور. وقرأ قتادة: «متعت» بفتح التاء الأخيرة على معنى: قل يا رب متعت، ورواها يعقوب عن نافع. وقرأ الأعمش: «بل متعنا» ، وهي تعضد قراءة الجمهور.
و: مُبِينٌ في هذه الآية يحتمل التعدي وترك التعدي.
ثم أخبر تعالى عنهم على جهة التقريع بأنهم قالُوا للقرآن: هذا سِحْرٌ وأنهم كفروا به، وإنما جعلوه بزعمهم سحرا من حيث كان عندهم يفرق بين المرء وولده وزوجه، فجعلوه لذلك كالسحر، ولم ينظروا إلى الفرق في أن المفارق بالقرآن يفارق عن بصيرة في الدين، والمفارق بالسحر يفارق عن خلل في ذهنه.
قوله عز وجل:
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣١ الى ٣٥]
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥)