للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما فعلوا ذلك في زنادقة وبطارقة وغير ذلك، وأساورة: جمع سوار.

وقوله: مُقْتَرِنِينَ أي يحمونه ويشهدون له ويقيمون حجته. ثم أخبر تعالى عن فرعون أنه استخف قومه بهذه المقالة، أي طلب خفتهم وإجابتهم إلى غرضه، فأجابوه إلى ذلك وأطاعوه في الكفر لفسقهم ولما كانوا بسبيله من الفساد. و: آسَفُونا معناه: أغضبونا بلا خلاف، وإغضاب الله تعالى هو أن تعمل الأعمال الخبيثة التي تظهر من أجلها أفعاله الدالة على إرادة السوء بمن شاء. والغضب على هذا صفة فعل، وهو مما يتردد، فإذا كان بمعنى ما يظهر من الأفعال، فهو صفة فعل، وإذا رد إلى الإرادة فهو صفة ذات، وفي هذا نظر.

وقرأ جمهور القراء: «سلفا» بفتح السين واللام جمع سالف، كحارس وحرس. والسلف: هو الفارط من الأمم المتقدم، أي جعلناهم متقدمين للأمم الكافرة عظة ومثلا لهم يعتبرون بهم، أو يقعون فيما وقعوا فيه، ومن هذه اللفظة قول النبي عليه السلام: «يذهب الصالحون أسلافا» ، وقوله في ولده إبراهيم: «ندفنه عند سلفنا الصالح عثمان بن مظعون» . وقرأ حميد الأعرج وحمزة والكسائي: «سلفا» بضم السين واللام، وهي قراءة عبد الله وأصحابه وسعد بن عياض وابن كثير، وهو جمع: سليف. وذكر الطبري عن القاسم بن معن أنه سمع العرب تقول: مضى سلف من الناس، بمعنى السلف. وقرأ علي بن أبي طالب وحميد الأعرج أيضا: «سلفا» بضم السين وفتح اللام، كأنه جمع سلفة، بمعنى الأمة والقطعة. والآخرون: هو من يأتي من البشر إلى يوم القيامة.

قوله عز وجل:

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥٧ الى ٦٢]

وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)

وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢)

روي عن ابن عباس وغيره في تفسير هذه الآية، أنه لما نزلت: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ، خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ، فَيَكُونُ [آل عمران: ٥٩] ونزل مع ذلك ذكر عيسى وحاله وكيف خلق من غير فحل، قالت فرقة: ما يريد محمد من ذكر عيسى إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى، فهذا كان صدورهم من ضربه مثلا.

وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو جعفر والأعرج والنخعي وأبو رجاء وابن وثاب: «يصدون» بضم الصاد، بمعنى: يعرضون. وقرأ الباقون وابن عباس وابن جبير والحسن وعكرمة: «يصدون» بكسر الصاد، بمعنى يضحكون، وأنكر ابن عباس ضم الصاد، ورويت عن علي بن أبي طالب، وقال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، مثل «يعرشون ويعرشون» .

<<  <  ج: ص:  >  >>