وقوله تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ الآية، المعنى أن جهنم فراش لهم ومسكن ومضجع يتمهدونه وهي لهم غواش جمع غاشية وهي ما يغشى الإنسان أي يغطيه ويستره من جهة فوق، قال الضحاك «المهاد» الفراش، و «الغواشي» اللحف ودخل التنوين في غَواشٍ عند سيبويه لنقصانه عن بناء مفاعل فلما زال البناء المانع من الصرف بأن حذفت الياء حذفا لا للالتقاء بل كما حذفت من قوله وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [الفجر: ٤] وذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ [الكهف: ٦٤] ومن قول الشاعر: [زهير]
ولأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفر
زال الامتناع، وهذا كقولهم ذلذل بالتنوين وهم يريدون: الذلاذل لما زال البناء، قال الزجاج:
والتنوين في غَواشٍ عند سيبويه عوض من الياء المنقوصة ورد أبو علي أن يكون هذا هو مذهب سيبويه، ويجوز الوقوف ب «يا» وبغير «يا» والاختيار بغير «يا» .
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الآية، هذه آية وعد مخبرة أن جميع المؤمنين هم أصحاب الجنة ولهم الخلد فيها، ثم اعترض أثناء القول بعقب الصفة، التي شرطها في المؤمنين باعتراض يخفف الشرط ويرجى في رحمة الله ويعلم أن دينه يسر وهذه الآية نص في أن الشريعة لا يتقرر من تكاليفها شيء لا يطاق، وقد تقدم القول في جواز تكليف ما لا يطاق وفي وقوعه بمغن عن الإعادة، و «الوسع» معناه الطاقة وهو القدر الذي يتسع له قدر البشر.
هذا إخبار من الله عز وجل أنه ينقي قلوب ساكني الجنة من الغل والحقد، وذلك أن صاحب الغل متعذب به ولا عذاب في الجنة، وورد في الحديث «الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين» .
قال القاضي أبو محمد: ومعنى هذا الحديث إذا حمل على حقيقته، أن الله عز وجل يخلق جوهرا يجعله حيث يرى كمبارك الإبل، لأن الغل عرض لا يقوم بنفسه، وإن قيل إن هذه استعارة وعبر عن سقوطه عن نفوسهم فهذه الألفاظ على جهة التمثيل كما تقول فلان إذا دخل على الأمير ترك نخوته بالباب ملقاة فله وجه، والأول أصوب وأجرى مع الشرع في أشياء كثيرة، مثل قوله يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش فيذبح وغير ذلك، وروى الحسن عن علي بن أبي طالب قال: فينا والله أهل بدر نزلت وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [الحجر: ٤٧] وروي عنه أيضا أنه قال: فينا والله نزلت وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ، وذكر قتادة: أن عليا قال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ.