الطرق والصواب ويدعو إلى العدل ويفصح بالآيات ونحو هذا، ووصف الأصنام بأنها لا تهدي إلا أن تهدى، ونحن نجدها لا تهتدي وإن هديت، فوجه ذلك أنه عامل في العبارة عنها معاملتهم في وصفها بأوصاف من يعقل وذلك مجاز وموجود في كثير من القرآن، وذكر ذلك أبو علي الفارسي، والذي أقول: إن قراءة حمزة والكسائي تحتمل أن يكون المعنى أمن لا يهدي أحدا إلا أن يهدى ذلك الأحد بهداية من عند الله، وأما على غيرها من القراءات التي مقتضاها «أمن لا يهتدي إلا أن يهدى» فيتجه المعنى على ما تقدم لأبي علي الفارسي، وفيه تجوز كثير، وقال بعضهم: هي عبارة عن أنها لا تنتقل إلا أن تنقل، ويحتمل أن يكون ما ذكر الله من تسبيح الجمادات هو اهتداؤها ويحتمل أن يكون الاستثناء في اهتدائها إلى مناكرة الكفار يوم القيامة، حسبما مضى في هذه السورة، وقراءة حمزة والكسائي هي «يهدي» بفتح الياء وسكون الهاء، وقرأ نافع وأبو عمرو وشيبة والأعرج وأبو جعفر «يهدّي» بسكون الهاء وتشديد الدال، وقرأ ابن كثير وابن عامر «يهدي» بفتح الياء والهاء، وهذه أفصح القراءات، نقلت حركة تاء «يهتدي» إلى الهاء وأدغمت التاء في الدال، وهذه رواية ورش عن نافع وقرأ عاصم في رواية حفص «يهدّي» بفتح الياء وكسر الهاء وشد الدال، أتبع الكسرة الكسرة، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، «يهدّي» ، بكسر الياء والهاء وشد الدال وهذا أيضا إتباع وقال مجاهد: الله يهدي من الأوثان وغيرها ما شاء.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وقرأ يحيى بن الحارث الزماري. «إلا أن يهدّي» بفتح الهاء وشد الدال، ووقف القراء فَما لَكُمْ، ثم يبدأ كَيْفَ تَحْكُمُونَ، وقوله وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ
، إخبار عن فساد طرائقهم وضعف نظرهم وأنه ظن، ثم بين منزلة الظن من المعارف وبعده من الحق، والظَّنَّ في هذه الآية على بابه في أنه معتقد أحد جائزين لكن ثم ميل إلى أحدهما دون حجة تبطل الآخر، وجواز ما اعتقده هؤلاء إنما هو بزعمهم لا في نفسه. بل ظنهم محال في ذاته. والْحَقِّ أيضا على بابه في أنه معرفة المعلوم على ما هو به. وبهذه الشروط «لا يغني الظن من الحق شيئا» . وأما في طريق الأحكام التي تعبد الناس بظواهرها فيغني الظن في تلك الحقائق ويصرف من طريق إلى طريق. والشهادة إنما هي مظنونة. وكذلك التهم في الشهادات وغيرها تغني. وليس المراد في هذه الآية هذا النمط. وقرأ جمهور الناس. «يفعلون» . وقرأ عبد الله بن مسعود «تفعلون» بالتاء على مخاطبة الحاضر.
هذا نفي قول من قال من قريش إن محمدا يفتري القرآن وينسبه إلى الله تعالى، وعبر عن ذلك بهذه الألفاظ التي تتضمن تشنيع قولهم وإعظام الأمر كما قال تعالى: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [آل عمران: ١٦١] وكما قال حكاية عن عيسى عليه السلام ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ