للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا التأويل سائغ وإن لا يقدر هذا التقابل سائغ، وقرأ سفيان بن حسين «أو كظلمات» بفتح الواو، وقرأ جمهور السبعة «سحاب» بالرفع والتنوين «ظلمات» بالرفع، وقرأ ابن كثير في رواية قنبل «سحاب» بالرفع والتنوين «ظلمات» بالخفض على البدل من «ظلمات» الأول، وقرأ ابن أبي بزة عن ابن كثير «سحاب» بغير تنوين على الإضافة على الظلمات، وقوله إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها لفظ يقتضي مبالغة الظلمة، واختلف الناس في هذا اللفظ هل يقتضي أن هذا الرجل المقدر في هذه الأحوال وأخرج يده رأى يده ولم يرها البتة، فقالت فرقة لم يرها جملة وذلك أن «كاد» معناها قارب فكأنه قال إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لم يقارب رؤيتها، وهذا يقتضي نفي الرؤية جملة، وقالت فرقة بل رآها بعد عسر وشدة وكان أن لا يراها ووجه ذلك أن «كاد» إذا صحبها حرف النفي وجب الفعل الذي بعدها وإذا لم يصحبها انتفى الفعل ع وهذا لازم متى كان حرف النفي بعد «كاد» داخلا على الفعل الذي بعدها، تقول: كاد زيد يقوم، فالقيام منفي فإذا قلت كاد زيد أن لا يقوم فالقيام واجب واقع،

وتقول كاد النعام يطير، فهذا يقتضي نفي الطيران عنه، فإذا قلت كاد النعام أن يطير وجب الطيران له، فإذا كان حرف النفي مع «كاد» فالأمر محتمل مرة يوجب الفعل ومرة ينفيه، تقول المفلوج لا يكاد يسكن فهذا كلام صحيح تضمن نفي السكون، وتقول رجل متكلم لا يكاد يسكن، فهذا كلام صحيح يتضمن إيجاب السكون بعد جهد ونادرا ومنه قوله تعالى: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة: ٧١] نفي مع كاد تضمن وجوب الذبح، وقوله في هذه الآية لَمْ يَكَدْ يَراها نفي مع كاد يتضمن في أحد التأويلين، نفي الرؤية، ولهذا ونحوه قال سيبويه رحمه الله إن أفعال المقاربة لها نحو آخر بمعنى أنها دقيقة التصرف، وقوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ قالت فرقة يريد في الدنيا، أي من لم يهده الله لم يهتد، وقالت فرقة أراد في الآخرة أي من لم يرحمه الله وينور حاله بالعفو والرحمة فلا رحمة له، والأول أبين وأليق بلفظ الآية، وأيضا فذلك لازم نور الآخرة إنما هو لمن نور قلبه في الدنيا وهدى، وقد قررت الشريعة أن من مر لآخرته على كفره فهو غير مرحوم ولا مغفور له.

قوله عز وجل:

[سورة النور (٢٤) : الآيات ٤١ الى ٤٢]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٤٢)

أَلَمْ تَرَ تنبيه، و «الرؤية» رؤية الفكر، قال سيبويه كأنه قال انتبه الله يسبح له من في السماوات، والتسبيح هنا التعظيم والتنزيه فهو من العقلاء بالنطق وبالصلاة من كل ذي دين، واختلف في تسبيح الطَّيْرُ وغير ذلك مما قد ورد الكتاب بتسبيحه، فالجمهور على أنه تسبيح حقيقي وقال الحسن وغيره هو لفظ تجوز وإنما تسبيحه بظهور الحكمة فيه، فهو لذلك يدعو إلى التسبيح، وقال المفسرون قوله مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عامة لكل شيء من له عقل وسائر الجمادات، لكنه لما اجتمع ذلك عبر عنه ب مَنْ تغليبا لحكم من يعقل، وصَافَّاتٍ معناه مصطفة في الهواء، وقرأ الأعرج «والطير» بنصب الراء، وقرأ الحسن و «الطير صافات» مرفوعتان وقوله: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ قال الحسن المعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>