اللام في قوله لِيَجْزِيَهُمُ متعلقة بفعل مضمر تقديره فعلوا ذلك ويسروا لذلك ونحو هذا، ويحتمل أن تكون متعلقة ب يُسَبِّحُ [النور: ٣٦] وقوله أَحْسَنَ ما عَمِلُوا فيه حذف مضاف تقديره ثواب أحسن ثم وعدهم عز وجل بالزيادة من فضله على ما تقتضيه أعمالهم، فأهل الجنة أبدا في مزيد، ثم ذكر أنه يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ويخصه بما يشاء من رحمته دون حساب ولا تعديد، وكل تفضل لله فهو بِغَيْرِ حِسابٍ، وكل جزاء على عمل فهو بحساب، ولما ذكر الله تعالى فيما تقدم من هذه الآية حالة الإيمان والمؤمنين وتنويره قلوبهم عقب ذلك بذكر الكفرة وأعمالهم فمثل لها ولهم تمثيلين: الأول منهما يقتضي حال أعمالهم في الآخرة من أنها غير نافعة ولا مجدية، والثاني يقتضي حالها في الدنيا من أنها في الغاية من الضلال والغمة التي مآلها ما ذكر من تناهي الظلمة في قوله أَوْ كَظُلُماتٍ، و «السراب» ما ترقرق من الهواء في الهجير في فيافي الأرض المنبسطة وأوهم الناظر إليه على البعد أنه ماء، سمي بذلك لأنه ينسرب كالماء فكذلك أعمال الكافر يظن في دنياه أنه نافعته فإذا كان يوم القيامة لم يجدها شيئا فهي كالسراب الذي يظنه الرائي العطشان ماء فإذا قصده وأتعب نفسه بالوصول إليه لم يجد شيئا، و «القيعة» جمع قاع كجيرة وجار والقاع المنخفض البساط من الأرض ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في مانع زكاة الأنعام «فيبطح لها بقاع قرقر» ، وقيل القيعة مفرد، وهو بمعنى القاع، وقرأ مسلم بن محارب «بقيعات» ، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف «الظمآن» بفتح الميم وطرح حركة الهمزة على الميم وترك الهمزة، وقوله حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً يريد شَيْئاً نافعا في العطش، أو يريد شَيْئاً موجودا على العموم ويريد ب جاءَهُ جاء موضعه الذي تخيله فيه ويحتمل أن يعود الضمير في جاءَهُ على «السراب» ، ثم يكون في الكلام بعد ذلك متروك يدل عليه الظاهر تقديره فكذلك الكافر يوم القيامة يظن عمله نافعا حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً، ويحتمل الضمير أن يعود على العمل الذي يدل عليه قوله أَعْمالُهُمْ ويكون تمام المثل في قوله ماءً ويستغني الكلام عن متروك على هذا التأويل، لكن يكون في المثل إيجاز واقتضاب لوضوح المعنى المراد به، وقوله وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ أي بالمجازاة، والضمير في عِنْدَهُ عائد على العمل، وباقي الآية بين فيه توعد وسرعة الحساب من حيث هو يعلم لا تكلف فيه وقوله تعالى: أَوْ كَظُلُماتٍ عطف على قوله كَسَرابٍ، وهذا المثال الأخير تضمن صفة أعمالهم في الدنيا، أي إنهم من الضلال ونحوه في مثل هذه الظلمة المجتمعة من هذه الأشياء، وذهب بعض الناس إلى أن في هذا المثال أجزاء تقابل أجزاء من الممثل فقال «الظلمات» الأعمال الفاسدة والمعتقدات الباطلة، و «البحر اللجي» صدر الكافر وقلبه، و «اللجي» معناه ذو اللجة، وهي معظم الماء وغمره واجتماع ما به أشد لظلمته، و «الموج» هو الضلال والجهالة التي غمرت قلبه والفكر المعوجة، و «السحاب» هو شهوته في الكفر وإعراضه عن الإيمان وما رين به على قلبه.