هذه آية وعظ وتذكير وتقريب للآخرة، وتحذير ممن لا تخفى عليه خافية.
وقرأ جمهور الناس:«ولتنظر» بسكون اللام وجزم الراء على الأمر، وقرأ يحيى بن الحارث وأبو حيوة وفرقة كذلك بالأمر إلا أنها كسرت اللام على أصل لام الأمر، وقرأ الحسن بن أبي الحسن فيما روي عنه:
«ولتنظر» بنصب الراء على لام كي كأنه قال وأمرنا بالتقوى لتنظروا، كأنه قال: اتَّقُوا اللَّهَ ولتكن تقواكم «لتنظر» ، وقوله تعالى: لِغَدٍ يريد يوم القيامة، قال قتادة: قرب الله القيامة حتى جعلها غدا، وذلك أنها آتية لا محالة وكل آت قريب، ويحتمل أن يريد بقوله لِغَدٍ: ليوم الموت، لأنه لكل إنسان كغده ومعنى الآية: ما قدمت من الأعمال، فإذا نظرها الإنسان تزيد من الصالحات، وكف عن السيئات، وقال مجاهد وابن زيد: الأمس: الدنيا، وغد: الآخرة، وقرأ الجمهور:«ولا تكونوا» بالتاء من فوق على مخاطبة جميع الذين آمنوا، وقرأ أبو حيوة «يكونوا» بالياء من تحت كناية عن النفس التي هي اسم الجنس، والذين نَسُوا اللَّهَ هم الكفار، والمعنى: تركوا الله وغفلوا عنه، حتى كانوا كالناسين، وعبر عما حفهم به من الضلالة ب فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ سمى عقوبتهم باسم ذنبهم بوجه ما، وهذا أيضا هو الجزاء على الذنب بالذنب تكسبوهم نسيان جهة الله فعاقبهم الله تعالى بأن جعلهم ينسون أنفسهم، قال سفيان: المعنى حظ أنفسهم، ويعطي لفظ هذه الآية، أن من عرف نفسه ولم ينسها عرف ربه تعالى، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: اعرف نفسك تعرف ربك، وروي عنه أنه قال أيضا: من لم يعرف نفسه لم يعرف ربه. وقرأ ابن مسعود:«ولا أصحاب الجنة» بزيادة لا. وقوله تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ الآية، موعظة للإنسان أو ذم لأخلاقه في غفلته وإعراضه عن داعي الله تعالى، وذلك أن القرآن نزل عليهم وفهموه وأعرضوا عنه، وهو لو نزل على جبل وفهم الجبل منه ما فهم الإنسان لخشع واستكان وتصدع خشية الله تعالى، وإذا كان الجبل على عظمه وقوته يفعل هذا فما عسى أن يحتاج ابن آدم يفعل؟ لكنه يعرض ويصد على حقارته وضعفه، وضرب الله تعالى هذا المثل ليتفكر فيه العاقل ويخشع ويلين قلبه، وقرأ طلحة بن مصرف «مصدعا» على إدغام التاء في الصاد.