للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ

كان هذا عند نزوله من السفينة مع أصحابه للانتشار في الأرض، و «السّلام» هنا السلامة والأمن ونحوه، و «البركات» الخير والنمو في كل الجهات، وهذه العدة تعم جميع المؤمنين إلى يوم القيامة، قاله محمد بن كعب القرظي وقوله مِمَّنْ مَعَكَ أي من ذرية من معك ومن نسلهم، فمن- على هذا- هي لابتداء الغاية، أي من هؤلاء تكون هذه الأمم، ومن موصولة، وصلتها مَعَكَ وما بتقدر معها نحو قولك: ممن استقر معك ونحوه ثم قطع قوله: وَأُمَمٌ على وجه الابتداء إذ كان أمرهم مقطوعا من الأمر الأول، وهؤلاء هم الكفار إلى يوم القيامة.

وقوله تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ الآية إشارة إلى القصة، أي هذه من الغيوب التي تقادم عهدها ولم يبق علمها إلا عند الله تعالى، ولم يكن علمها أو علم أشباهها عندك ولا عند قومك، ونحن نوحيها إليك لتكون لك هداية وأسوة فيما لقيه غيرك من الأنبياء، وتكون لقومك مثالا وتحذيرا، لئلا يصيبهم إذا كذبوك مثل ما أصاب هؤلاء وغيرهم من الأمور المعذبة.

قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا المعنى ظهرت فصاحة قوله: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ، أي فاجتهد في التبليغ وجد في الرسالة واصبر على الشدائد واعلم أن العاقبة لك كما كانت لنوح في هذه القصة. وفي مصحف ابن مسعود: «من قبل هذا القرآن» .

قوله عز وجل:

[سورة هود (١١) : الآيات ٥٠ الى ٥٢]

وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢)

وَإِلى عادٍ عطف على قوله إِلى قَوْمِهِ [هود: ٢٥] في قصة نوح، وعادٍ قبيلة وكانت عربا- فيما ذكر- و «هود» عليه السّلام منهم، وجعله أَخاهُمْ بحسب النسب والقرابة فإن فرضناه ليس منهم فالأخوة بحسب المنشأ واللسان والجيرة. وأما قول من قال هي أخوة بحسب النسب الآدمي فضعيف.

وقرأ جمهور الناس: «يا قوم» بكسر الميم، وقرأ ابن محيصن: «يا قوم» برفع الميم، وهي لغة حكاها سيبويه، وقرأ جمهور الناس: «غيره» بالرفع على النعت أو البدل من موضع قوله: مِنْ إِلهٍ. وقرأ الكسائي وحده بكسر الراء، حملا على لفظ: إِلهٍ وذلك أيضا على النعت أو البدل ويجوز «غيره» نصبا على الاستثناء.

ومُفْتَرُونَ معناه كاذبون أفحش كذب في جعلكم الألوهية لغير الله تعالى، والضمير في قوله:

عَلَيْهِ عائد على الدعاء إلى الله تعالى، والمعنى: ما أجري وجزائي إلا من عند الله، ثم وصفه بقوله الَّذِي فَطَرَنِي فجعلها صفة رادة عليهم في عبادتهم الأصنام واعتقادهم أنها تفعل، فجعل الوصف

<<  <  ج: ص:  >  >>