هذا أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء إلى الله ومتابعة نشر الرسالة، ثم قال مؤنسا له:
فَما أَنْتَ بإنعام الله عليك أو لطفه بك بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ. وكانت العرب قد عهدت ملابسة الجن والإنس بهذين الوجهين، فنسبت محمدا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فنفى الله تعالى عنه ذلك.
وقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ الآية، روي أن قريشا اجتمعت في دار الندوة فكثرت آراؤهم في محمد صلى الله عليه وسلم حتى قال قائل منهم: تربصوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى وغيرهم، فافترقوا على هذه المقالة فنزلت الآية في ذلك، والتربص: الانتظار ومنه قول الشاعر: [الطويل]
تربص بها ريب المنون لعلها ... تطلق يوما أو يموت حليلها
وأنشد الطبري:[الطويل] لعلها سيهلك عنها زوجها أو ستجنح وقوله تعالى: قُلْ تَرَبَّصُوا وعيد في صيغة أمر، و: الْمَنُونِ من أسماء الموت، وبه فسر ابن عباس، ومن أسماء الدهر أيضا، وبه فسر مجاهد وقال الأصمعي: الْمَنُونِ واحد لا جمع له وقال الأخفش: هو جمع لا واحد له.
قال القاضي أبو محمد: والريب هنا: الحوادث والمصائب، لأنها تريب من نزلت به ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمر ابنته فاطمة حين ذكر أن عليا يتزوج بنت أبي جهل:«إنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما أرابها» . يقال أراب وراب، ومنه:[الطويل] فقد رابني منها الغداة سفورها وقول الآخر: [المتقارب] وقد رابني قولها يا هناه وأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بتوعدهم بقوله: قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ وقوله تعالى: بِهذا يحتمل أن يشير إلى هذه المقالة: هو شاعر، ويحتمل أن يشير إلى ما هم عليه من