المعنى صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وشرعه، مثل ما صدقه المهاجرون والمحققون من أهل يثرب، قالوا: أنكون كالذين خفت عقولهم؟ والسفه الخفة والرقة الداعية إلى الخفة يقال «ثوب سفيه» إذا كان رقيقا مهلهل النسج، ومنه قول ذي الرمة:[الطويل]
مشين كما اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها مرّ الرياح النواسم
وهذا القول إنما كانوا يقولونه في خفاء فأطلع الله عليه نبيه والمؤمنين، وقرر أن السفه ورقة الحلوم وفساد البصائر إنما هو في حيزهم وصفة لهم، وأخبر أنهم لا يعلمون أنهم السفهاء للرّين الذي على قلوبهم.
وقال قوم:«الآية نزلت في منافقي اليهود، والمراد بالناس عبد الله بن سلام ومن أسلم من بني إسرائيل» .
قال القاضي أبو محمد: وهذا تخصيص لا دليل عليه.
ولَقُوا أصله لقيوا استثقلت الضمة على الياء فسكنت فاجتمع الساكنان فحذفت الياء. وقرأ ابن السميفع «لاقوا الذين» . وهذه كانت حال المنافقين إظهار الإيمان للمؤمنين وإظهار الكفر في خلواتهم بعضهم مع بعض، وكان المؤمنون يلبسونهم على ذلك لموضع القرابة فلم تلتمس عليهم الشهادات ولا تقرر تعينهم في النفاق تقررا يوجب لوضوحه الحكم بقتلهم وكان ما يظهرونه من الإيمان يحقن دماءهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنهم ويدعهم في غمرة الاشتباه مخافة أن يتحدث عنه أنه يقتل أصحابه فينفر الناس حسبما قال عليه السلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال له في وقت قول عبد الله بن أبي ابن سلول:«لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل» القصة: «دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق» فقال: «دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» .
فهذه طريقة أصحاب مالك رضي الله عنه في كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين مع علمه بكفرهم في الجملة. نص على هذا محمد بن الجهم وإسماعيل القاضي والأبهري وابن الماجشون واحتج بقوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الأحزاب: ٦٠- ٦١] . قال قتادة: