للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٩٦ الى ١٠٠]

فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)

روي عن ابن عباس: أن الْبَشِيرُ كان يهوذا لأنه كان جاء بقميص الدم.

قال القاضي أبو محمد: حدثني أبي رضي الله عنه قال: سمعت الواعظ أبا الفضل بن الجوهري على المنبر بمصر يقول: إن يوسف عليه السلام لما قال: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي [يوسف: ٩٣] قال يهوذا لإخوته: قد علمتم أني ذهبت إليه بقميص الترحة فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة فتركوه وذلك. وقال هذا المعنى السدي. وارتد معناه: رجع هو، يقال: ارتد الرجل ورده غيره، وبَصِيراً معناه: مبصرا، ثم وقفهم على قوله: إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ وهذا- والله أعلم- هو انتظاره لتأويل الرؤيا- ويحتمل أن يشير إلى حسن ظنه بالله تعالى فقط.

وروي: أنه قال للبشير: على أي دين تركت يوسف؟ قال: على الإسلام قال: الحمد لله، الآن كملت النعمة.

وفي مصحف ابن مسعود: «فلما أن جاء البشير من بين يدي العير» ، وحكى الطبري عن بعض النحويين أنه قال: أَنْ في قوله: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ زائدة، والعرب تزيدها أحيانا في الكلام بعد لما وبعد حتى فقط، تقول: لما جئت كان كذا، ولما أن جئت، وكذلك تقول: ما قام زيد حتى قمت، وحتى أن قمت.

وقوله: قالُوا: يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا الآية، روي أن يوسف عليه السلام لما غفر لإخوته، وتحققوا أيضا أن يعقوب يغفر لهم، قال بعضهم لبعض: ما يغني عنا هذا إن لم يغفر الله لنا؟! فطلبوا- حينئذ- من يعقوب أن يطلب لهم المغفرة من الله تعالى، واعترفوا بالخطأ، فقال لهم يعقوب: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ، فقالت فرقة: سوفهم إلى السحر، وروي عن محارب بن دثار أنه قال: كان عم لي يأتي المسجد فسمع إنسانا يقول: اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت، وهذا سحر فاغفر لي، فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود، فسئل عبد الله بن مسعود عن ذلك، فقال: إن يعقوب عليه السلام أخر بنيه إلى السحر، ويقوي هذا التأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا كل ليلة إذا كان الثلث الآخر إلى سماء الدنيا فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟» الحديث.

ويقويه قوله تعالى: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ [آل عمران: ١٧] . وقالت فرقة: إنما سوفهم يعقوب إلى قيام الليل، وقالت فرقة- منهم سعيد بن جبير- سوفهم يعقوب إلى الليالي البيض، فإن الدعاء فيهن يستجاب وقيل: إنما أخرهم إلى ليلة الجمعة، وروى ابن عباس هذا التأويل عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «أخرهم يعقوب حتى تأتي له الجمعة» .

<<  <  ج: ص:  >  >>