وقوله تعالى: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا الآية، «الأمر» هاهنا يصح أن يكون مصدر أمر ويصح أن يكون واحد الأمور. وقوله: بِرَحْمَةٍ مِنَّا إما أن يقصد الإخبار عن الرحمة التي لحقت شعيبا لنبوته وحسن عمله وعمل متبعيه، وإما أن يقصد أن النتيجة لم تكن إلا بمجرد رحمة لا بعمل من أعمالهم، وأما الصَّيْحَةُ فهي صيحة جبريل عليه السّلام، وروي أنه صاح بهم، صيحة جثم لها كل واحد منهم في مكانه حيث سمعها ميتا قد تقطعت حجب قلبه، و «الجثوم» أصله في الطائر إذا ضرب بصدره إلى الأرض، ثم يستعمل في غيره إذا كان منه بشبه.
وقوله تعالى: كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها الآية، الضمير في قوله: فِيها عائد على «الديار» ، ويَغْنَوْا معناه: يقيمون بنعمة وخفض عيش، ومنه المغاني وهي المنازل المعمورة بالأهل، وقوله: أَلا تنبيه للسامع، وقوله: بُعْداً مصدر، دعا به، وهذا كما تقول: سقيا لك ورعيا لك وسحقا للكافر ونحو هذا، وفارقت هذه قولهم: سلام عليك، لأن هذا كأنه إخبار عن شيء قد وجب وتحصل، وتلك إنما هي دعاء مترجى: ومعنى «البعد» - في قراءة من قرأ «بعدت» بكسر العين- الهلاك- وهي قراءة الجمهور ومنه قول خرنق بنت هفان:[الكامل]
لا يبعدن قومي الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر
ومنه قول مالك بن الريب:[الطويل]
يقولون لا تبعد وهم يدفنونني ... وأين مكان البعد إلا مكانيا
وأما من قرأ «بعدت» وهو السلمي وأبو حيوة- فهو من البعد الذي ضده القرب، ولا يدعى به إلا على مبغوض.
«الآيات» : العلامات، و «السلطان» : البرهان والبيان في الحجة قيل: هو مشتق من السليط الذي يستضاء به، وقيل: من أنه مسلط على كل مناو ومخاصم، و «الملأ» : الجمع من الرجال والمعنى: أرسلناه إليهم ليؤمنوا بالله تعالى، فصدهم فرعون فاتبعوا أمره ولم يؤمنوا وكفروا، ثم أخبر تعالى عن أمر فرعون أنه ليس بِرَشِيدٍ أي ليس بمصيب في مذهبه ولا مفارق للسفاهة.