للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال ابن جريح: وقت التنبيه إنك يوسف. وقال قتادة: لا يشعرون بوحينا إليه.

قال القاضي أبو محمد: فيكون قوله: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ- على التأويل الأول- مما أوحي إليه- وعلى القول الثاني- خبر لمحمد صلى الله عليه وسلم.

قوله عز وجل:

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٦ الى ١٨]

وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨)

قرأت فرقة «عشاء» أي وقت العشاء، وقرأ الحسن: «عشى» على مثال دجى، أي جمع عاش، قال أبو الفتح: «عشاة» كماش ومشاة، ولكن حذفت الهاء تخفيفا كما حذفت من مألكة، وقال عدي:

أبلغ النعمان عني مألكا ... أنه قد طال حبسي وانتظاري

قال القاضي أبو محمد: ومعنى ذلك أصابهم عشا من البكاء أو شبه العشا إذ كذلك هي هيئة عين الباكي لأنه يتعاشى، ومثل شريح في امرأة بكت وهي مبطلة ببكاء هؤلاء وقرأ الآية، وروي أن يعقوب لما سمع بكاءهم قال: ما بالكم أجرى في الغنم شيء؟ قالوا: لا، قال فأين يوسف؟ قالوا: ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ فبكى وصاح وقال: أين قميصه؟ - وسيأتي قصص ذلك.

ونَسْتَبِقُ معناه: على الأقدام أي نجري غلابا، وقيل: بالرمي أي ننتصل. وهو نوع من المسابقة، قاله الزجاج.

وقولهم: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ أي بمصدق ومعنى الكلام: أي لو كنا موصوفين بالصدق وقيل:

المعنى: ولو كنت تعتقد ذلك فينا في جميع أقوالنا قديما لما صدقتنا في هذه النازلة خاصة لما لحقك فيها من الحزن ونالك من المشقة ولما تقدم من تهمتك لنا.

قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ذكره الزجاج وغيره، ويحتمل أن يكون قولهم: وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ، بمعنى: وإن كنا صادقين- وقاله المبرد- كأنهم أخبروا عن أنفسهم أنهم صادقون في هذه النازلة، فهو تماد منهم في الكذب ويكون بمنزلة قوله: أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ [الأعراف: ٨٨] بمعنى أو إن كنا كارهين.

قال القاضي أبو محمد: وفي هذا المثال عندي نظر، وتخبط الرماني في هذا الموضع، وقال: ألزموا أباهم عنادا ونحو هذا مما لا يلزم لأنهم لم يقولوا: وما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين في معتقدك، بل قالوا: وما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين فيما نعتقد نحن، وأما أنت فقد غلب عليك سوء الظن بنا. ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>