الدعوة في لين من القول. وقوله لَعَلَّهُ معناه على رجائكما وطمعكما فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر وقرأ الجمهور «يفرط» بفتح الياء وضم الراء ومعناه يعجل ويسرع بمكروه فينا ومنه فارط في الماء وهو الذي يتقدم القوم إليه قال الشاعر القطامي عمير بن شييم: [البسيط]
واستعجلوا وكانوا من صحابتنا ... كما تعجّل فرّاط لورّاد
وقالت فرقة «يفرط» بضم الياء وكسر الراء ومعناه يشتط في إذايتنا، وقرأ ابن محيصن «يفرط» بضم الياء وفتح الراء ومعناها أن يحمله حامل على التسرع إلينا.
قوله عز وجل: إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى. يريد بالنصر والمعونة والقدرة على فرعون، وهذا كما تقول الأمير مع فلان إذا أردت أنه يحميه وأَسْمَعُ وَأَرى عبارتان عن الإدراك الذي لا تخفى معه خافية تبارك الله رب العالمين.
فرعون فأعلماه أنكما رسولاي إليه وعبر بفرعون تحقيرا له إذ كان هو يدعي الربوبية ثم أمرا يدعوته إلى أن يبعث معهما بني إسرائيل ويخرجهم من غل خدمة القبط وقد تقدم في هذه الآية دعاؤه إلى الإيمان وهذه جملة ما دعي إليه فرعون الإيمان وإرسال بني إسرائيل، والظاهر أن رسالته إليه ليست على حد إرساله إلى بني إسرائيل، وتعذيب بني إسرائيل كان ذبح أولادهم وتسخيرهم وإذلالهم والآية التي أحالا عليها هي العصا واليد وقالا جِئْناكَ والجائي بها موسى تجوزا من حيث كانا مشركين وقوله عليه السلام مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى يحتمل أن يكون آخر كلام وفصله فيقوى أن يكون السلام بمعنى التحية كأنهما رغبا بها عنه وجريا على العرف في التسليم عند الفراغ من القول فسلما على متبع الهدى وفي هذا توبيخ له ع: وعلى هذه الجهة استعمل الناس هذه الآية في مخاطبتهم ومحاوراتهم ويحتمل أن يكون في درج القول متصلا بقوله إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا فيقوى على هذا أن يكون خبرا بأن السلامة للمهتدين، وهذان المعنيان قالت كل واحد منهما فرقة، لكن دون هذا التلخيص، وقالوا السَّلامُ بمعنى السلامة وعلى بمعنى اللام أي السلام ل مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ولما فرغا من المقالة التي أمر بها عن قوله وَتَوَلَّى خاطبهما، وفي سرد هذه الآية حذف يدل عليه ظاهر الكلام تقديره فأتياه فلما قالا جميع ما أمرا به قال لهما فرعون فَمَنْ رَبُّكُما وقوله يا مُوسى بعد جمعه مع هارون في الضمير، نداء بمعنى التخصيص والتوقيف إذ كان صاحب عظم الرسالة ولزيم الآيات.