للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكقولك ضربت الجزية، وضرب البعث، ويحتمل أن يكون «ضرب المثل» من الضريب الذي هو المثل ومن قولك هذا ضرب هذا فكأنه قال مثل مثل، وقرأت فرقة «يدعون» بالياء من تحت والضمير للكفار، وقرأت فرقة «يدعون» بالياء على ما لم يسم فاعله والضمير للأصنام، وبدأ تعالى ينفي الخلق والاختراع عنهم من حيث هي صفة ثابتة له مختصة به، فكأنه قال ليس لهم صفتي ثم ثنى بالأمر الذي بلغ بهم غاية التعجيز، وذكر تعالى أمر سلب الذباب لأنه كان كثيرا محسوسا عند العرب، وذلك أنهم كانوا يضمخون أوثانهم بأنواع الطيب فكان الذباب يذهب بذلك وكانوا متألمين من هذه الجهة فجعلت مثلا، و «الذباب» جمعه أذبة في القليل وذبان في الكثير كغراب وأغربة وغربان ولا يقال ذبابات إلا في الديون لا في الحيوان، واختلف المتأولون في قوله تعالى، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، فقالت فرقة أراد ب الطَّالِبُ الأصنام وب الْمَطْلُوبُ الذباب، أي أنهم ينبغي أن يكونوا طالبين لما يسلب من طيبهم على معهود الأنفة من الحيوان، وقالت فرقة معناه ضعف الكفار في طلبهم الصواب والفضيلة من جهة الأصنام، وضعف الأصنام في إعطاء ذلك وإنالته ع ويحتمل أن يريد ضَعُفَ الطَّالِبُ وهو الذباب في استلابه ما على الأصنام وضعف الأصنام في أن لا منفعة لهم وعلى كل قول، فدل ضعف الذباب الذي هو محسوس مجمع عليه وضعف الأصنام عن هذا المجمع على ضعفه على أن الأصنام في أحط رتبة وأخس منزلة، وقوله ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، خطاب للناس المذكورين، والضمير في قَدَرُوا للكفار والمعنى ما وفوه حقه من التعظيم والتوحيد ثم أخبر بقوة الله وعزته وهما صفتان مناقضتان لعجز الأصنام.

قوله عز وجل:

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٧٥ الى ٧٧]

اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧)

روي أن هذه الآية إلى قوله الْأُمُورُ نزلت بسبب قول الوليد بن المغيرة أأنزل عليه الذكر من بيننا الآية فأخبر اللَّهُ تعالى أنه يَصْطَفِي أي يختار مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا إلى الأنبياء وغيرهم حسبما ورد في الأحاديث وَمِنَ النَّاسِ وهم الأنبياء المبعثون لإصلاح الخلق الذين اجتمعت لهم النبوءة والرسالة.

وقوله ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ عبارة عن إحاطة علمه بهم وحقيقتها ما قبلهم من الحوادث وما بعدهم، والْأُمُورُ، جمع أمر ليس يراد به المصدر ثم أمر الله تعالى المؤمنين بعبادته وخص «الركوع والسجود» بالذكر تشريفا للصلاة، واختلف الناس هل في هذه الآية سجدة؟ ومذهب مالك أنه لا يسجد هنا، وقوله وَافْعَلُوا الْخَيْرَ، ندب، فيما عدا الواجبات التي صح وجوبها من غير هذا الموضع، وقوله لَعَلَّكُمْ ترجّ في حق المؤمنين كقوله لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: ٤٤] و «الفلاح» في هذه الآية نيل البغية وبلوغ الأمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>