قد تقدم ذكر اختلاف العلماء في الحروف التي في أوائل السور في أول سورة البقرة، ومن حيث جاء في هذه السورة اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ جملة قائمة بنفسها فتتصور تلك الأقوال كلها في الم في هذه السورة، وذهب الجرجاني في النظم الى أن أحسن الأقوال هنا أن يكون الم إشارة إلى حروف المعجم كأنه يقول: هذه الحروف كتابك أو نحو هذا، ويدل قوله اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ على ما ترك ذكره مما هو خبر عن الحروف قال: وذلك في نظمه مثل قوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر: ٢١] وترك الجواب لدلالة قوله: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: ٢١] تقديره: كمن قسا قلبه. ومنه قول الشاعر:[الطويل]
فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم ... عليكم، ولكن خامري أمّ عامر
قال: تقديره ولكن اتركوني للتي يقال لها خامري أم عامر.
قال القاضي رحمه الله: يحسن في هذا القول أن يكون نَزَّلَ خبر قوله اللَّهُ حتى يرتبط الكلام إلى هذا المعنى. وهذا الذي ذكره القاضي الجرجاني فيه نظر لأن مثله ليست صحيحة الشبه بالمعنى الذي نحا إليه وما قاله في الآية محتمل ولكن الأبرع في نظم الآية أن يكون الم لا يضم ما بعدها إلى نفسها في المعنى وأن يكون اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ كلاما مبتدأ جزما جملة رادة على نصارى نجران الذين وفدوا على رسول الله عليه السلام فحاجوه في عيسى ابن مريم وقالوا: إنه الله وذلك أن ابن إسحاق والربيع وغيرهما ممن ذكر السير رووا أن وفد نجران قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى ستون رأكبا فيهم من أشرافهم أربعة عشر رجلا في الأربعة عشر ثلاثة نفر إليه يرجع أمرهم، العاقب أمير القوم وذو رأيهم واسمه عبد المسيح، والسيد ثمالهم وصاحب مجتمعهم واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أسد