حفظت لهما بهما قصة وقوله يا أَيُّهَا الرُّسُلُ، يحتمل أن يكون معناه وقلنا يا أيها الرسل فتكون هذه بعض القصص التي ذكر وكيفما حول المعنى فلم يخاطبوا قط مجتمعين، وإنما خوطب كل واحد في عصره، وقالت فرقة: الخطاب بقوله يا أَيُّهَا الرُّسُلُ لمحمد عليه السلام، ثم اختلفت فقال بعضها: أقامه مقام الرسل كما قال: الذين قال لهم الناس، وقيل غير هذا مما لا يثبت مع النظر، والوجه في هذا أن يكون الخطاب لمحمد وخرج بهذه الصيغة ليفهم وجيزا أن هذه المقالة قد خوطب بها كل نبي أو هي طريقتهم التي ينبغي لهم الكون عليها وهذا كما تقول لتاجر يا تجار ينبغي أن تجتنبوا الربا فأنت تخاطبه بالمعنى، وقد اقترن بذلك أن هذه المقالة تصلح لجميع صنفه، وقال الطبري: الخطاب بقوله يا أَيُّهَا الرُّسُلُ لعيسى، وروي أنه كان يأكل من غزل أمه، والمشهور عنه أنه كان يأكل من بقل البرية، ووجه خطابه لعيسى ما ذكرناه من تقدير لمحمد صلى الله عليه وسلم، والطَّيِّباتِ هنا الحلال ملذة وغير ذلك، وفي قوله إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ تنبيه ما على التحفظ وضرب من الوعيد بالمباحثة صلى الله على جميع رسله وأنبيائه وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم.
قرأ عاصم وحمزة والكسائي «وإنّ» بكسر الألف وشد النون، وقرأ ابن عامر «وأن» بفتح الألف وتخفيف «أن» ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «وأنّ هذه» بفتح الألف وتشديد «أنّ» ، فالقراءة الأولى بينة على القطع، وأما فتح الألف وتشديد النون فمذهب سيبويه أنها متعلقة بقوله، آخرا فَاتَّقُونِ على تقدير ولأن، أي فاتقون لأن أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ وهذا عنده نحو قوله عز وجل: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن: ١٨] . و «أن» عنده في موضع خفض وهي عند الخليل في موضع نصب لما زال الخافض، وقد عكس هذا الذي نسبت إليهما بعض الناس، وقال الفراء «أن» متعلقة بفعل مضمر تقديره واعلموا أو واحفظوا، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق «أمة واحدة» بالرفع على البدل، وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو «أمة واحدة» بالنصب على الحال وقيل على البدل من هذِهِ وفي هذا نظر، وهذه الآية تقوي أن قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ [المؤمنون: ٥١] ، إنما هو مخاطبة لجميعهم وأنه بتقرير حضورهم وتجيء هذه الآية بعد ذلك بتقدير وقلنا للناس، وإذا قدرت أَيُّهَا الرُّسُلُ [المؤمنون: ٥١] مخاطبة لمحمد عليه السلام قلق اتصال هذه واتصال قوله فَتَقَطَّعُوا، أما أن قوله وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ وإن كان قيل للأنبياء فأممهم داخلون بالمعنى فيحسن بعد ذلك اتصال فَتَقَطَّعُوا، ومعنى «الأمة» هنا الملة والشريعة والإشارة بهذه إلى الحنيفية السمحة ملة إبراهيم عليه السلام وهو دين الإسلام، وقوله فَتَقَطَّعُوا يريد الأمم أي افترقوا وليس بفعل مطاوع كما تقول تقطع الثوب بل هو فعل متعد بمعنى قطعوا