للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل:

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩)

سبب هذه الآية أن عظماء الكفار قيل من أهل مكة، وقيل عيينة بن حصن وأصحابه والأول أصوب، لأن السورة مكية، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أبعدت هؤلاء عن نفسك لجالسناك وصحبناك، يريدون عمار بن ياسر وصهيب بن سنان وسلمان الفارسي وابن مسعود وغيرهم من الفقراء كبلال ونحوه، وقالوا إن ريح جباتهم تؤذينا، فنزلت الآية بسبب ذلك، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم وجلس بينهم، وقال الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معه، وروي أنه قال لهم رحبا بالذي عاتبني فيهم ربي، وروى سلمان أن المؤلفة قلوبهم، عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وذويهم، قالوا ما ذكر، فنزلت الآية في ذلك.

قال القاضي أبو محمد: فالآية على هذا مدنية، ويشبه أن تكون الآية مكية، وفعل المؤلفة قريش فرد بالآية عليهم، وَاصْبِرْ معناه احبس، ومنه المصبورة التي جاء فيها الحديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صبر الحيوان، أي حبسه للرمي ونحوه، وقرأ الجمهور «بالغداة» ، وقرأ ابن عامر «بالغدوة» وهي قراءة نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبي عبد الرحمن والحسن، وهي في الخط على القراءتين بالواو، فمن يقرأها «بالغداة» يكتبها «بالغدوة» كما تكتب «الصلاة والزكوة» ، وفي قراءة من قرأ «بالغدوة» ضعف لأن «غدوة» اسم معروف فحقه أن لا تدخل عليه الألف واللام ووجه القراءة بذلك أنهم ألحقوها ضربا من التنكير إذ قالوا حيث غدوة يريدون الغدوات فحسن دخول الألف واللام كقولهم الفينة وفينة اسم معرف، والإشارة بقوله يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ إلى الصلوات الخمس. قاله ابن عمر ومجاهد وإبراهيم، وقال قتادة المراد صلاة الفجر، وصلاة العصر.

قال القاضي أبو محمد: ويدخل في الآية من يدعو في غير صلاة، ومن يجتمع لمذاكرة علم، وقد روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لذكر الله بالغداة والعشي أفضل من حطم السيوف في سبيل الله، ومن إعطاء المال سحا» ، وقرأ أبو عبد الرحمن «بالغدو» دون هاء، وقرأ ابن أبي عبلة «بالغدوات» «والعشيات» على الجمع، وقوله وَلا تَعْدُ عَيْناكَ أي لا تتجاوز عنهم إلى أبناء الدنيا والملابس من الكفار، وقرأ الحسن «ولا تعدّ عينيك» بضم التاء وفتح العين وشد الدال المكسورة، أي لا تجاوزها أنت عنهم، وروي عنه «ولا تعد عينيك» بضم التاء وسكون العين، وقوله مَنْ أَغْفَلْنا قيل إنه أراد بذلك معينا وهو عيينة بن حصن، والأقرع قاله خباب، وقيل إنما أراد من هذه صفته، وإنما المراد أولا كفار قريش، لأن الآية مكية، وقرأ الجمهور «أغفلنا قلبه» بنصب الباء على معنى جعلناه غافلا، وقرأ عمرو بن

<<  <  ج: ص:  >  >>