وقوله: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ الآية، أخبر الله تعالى في هذه الآية عن فرعون أنه يأتي يوم القيامة مع قومه المغرقين معه، وهو يقدمهم إلى النار: وأوقع الفعل الماضي في فَأَوْرَدَهُمُ موقع المستقبل، لوضوح الأمر وارتفاع الإشكال عنه، ووجه الفصاحة من العرب في أنها تضع أحيانا الماضي موضع المستقبل أن الماضي أدل على وقوع الفعل وحصوله، و «الورود» في هذه الآية هو ورود الدخول وليس بورود الإشراف على الشيء والإشفاء كقوله تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ [القصص: ٢٣] وقال ابن عباس: في القرآن أربعة أوراد: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: ٧١] وقوله: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم: ٨٦] وهذه في مريم، وفي الأنبياء: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ [الأنبياء: ٩٨] قال: وهي كلها ورد دخول، ثم ينجي الله الذين اتقوا والْمَوْرُودُ صفة لمكان الورد- على أن التقدير: وَبِئْسَ مكان الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ- وقيل: الْمَوْرُودُ ابتداء والخبر مقدم، والمعنى:
المورود بئس الورد.
وقوله: فِي هذِهِ يريد دار الدنيا، و «اللعنة» إبعادهم بالغرق والاستئصال وقبيح الذكر غابر الدهر، وقوله: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أي يلعنون أيضا بدخولهم في جهنم، قال مجاهد: فلهم لعنتان، وذهب قوم إلى أن التقسيم هو أن لهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة بئس ما يرفدون به فهي لعنة واحدة أولا، وقبح إرفاد آخرا، وقوله: بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ أي بئس العطاء المعطي لهم، والرِّفْدُ في كلام العرب: العطية وسمي العذاب هنا رفدا لأن هذا هو الذي حل محل الرفد، وهذا كما تقول: يا فلان لم يكن خيرك إلا أن تضربني أي لم يكن الذي حل محل الخير منك، والإرفاد: المعونة. ومنه رفادة قريش: معونتهم لفقراء الحج بالطعام الذي كانوا يطعمونه في الموسم.
وقوله: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الغيب الآية، ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من ذكر العقوبات النازلة بالأمم المذكورة، و «الأنباء» الأخبار. والْقُرى يحتمل أن يراد بها القرى التي ذكرت في الآيات المتقدمة خاصة، ويحتمل أن يريد القرى عامة، أي هذه الأنباء المقصوصة عليك هي عوائد المدن إذا كفرت، فيدخل- على هذا التأويل- فيها المدن المعاصرة، ويجيء قوله: مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ منها عامر ودائر، وهذا قول ابن عباس: وعلى التأويل الأول- في أنها تلك القرى المخصوصة- يكون قوله: قائِمٌ وَحَصِيدٌ بمعنى قائم الجدرات ومتهدم لا أثر له، وهذا قول قتادة وابن جريج، والآية بجملتها متضمنة التخويف وضرب المثل للحاضرين من أهل مكة وغيرهم.