المعنى: وما وضعنا عندهم من التعذيب ما لا يستحقونه، لكنهم ظلموا أنفسهم بوضعهم الكفر موضع الإيمان، والعبادة في جنبة الأصنام، فما نفعتهم تلك الأصنام ولا دفعت عنهم حين جاء عذاب الله.
وال تَتْبِيبٍ الخسران، ومنه تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد: ١] ومنه قول جرير: [الوافر]
عرابية من بقية قوم لوط ... ألا تبا لما فعلوا تبابا
وصورة زيادة الأصنام التتبيب، إنما يتصور: إما بأن تأهيلها والثقة بها والتعب في عبادتها شغلت نفوسهم وصرفتها عن النظر في الشرع وعاقتها، فلحق عن ذلك عنت وخسران، وإما بأن عذابهم على الكفر يزاد إليه عذاب على مجرد عبادة الأوثان.
وقوله وَكَذلِكَ الإشارة إلى ما ذكر من الأحداث في الأمم، وهذه آية وعيد تعم قرى المؤمنين، فإن ظالِمَةٌ أعم من كافرة، وقد يمهل الله تعالى بعض الكفرة، وأما الظلمة- في الغالب فمعاجلون أما أنه يملى لبعضهم، وفي الحديث- من رواية أبي موسى- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ الآية.
وقرأ أبو رجاء العطاردي وعاصم الجحدري «ربّك إذا أخذ القرى» وهي قراءة متمكنة المعنى ولكن قراءة الجماعة تعطي بقاء الوعيد واستمراره في الزمان، وهو الباب في وضع المستقبل موضع الماضي.
وقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً المعنى: أن في هذه القرى وما حل بها لعبرة وعلامة اهتداء لمن خاف أمر الآخرة وتوقع أن يناله عذابها فنظر وتأمل، فإن نظره يؤديه إلى الإيمان بالله تعالى، ثم عظم الله أمر يوم القيامة بوصفه بما تلبس بأجنبي منه للسبب المتصل بينهما، ويعود الضمير عليه، والنَّاسُ- على هذا- مفعول لم يسم فاعله، ويصح أن يكون النَّاسُ رفعا بالابتداء ومَجْمُوعٌ خبر مقدم.
وهذه الآية خبر عن الحشر، ومَشْهُودٌ عام على الإطلاق يشهده الأولون والآخرون من الإنس والملائكة والجن والحيوان، في قول الجمهور، وفيه- أعني الحيوان الصامت- اختلاف، وقال ابن عباس:
الشاهد: محمد عليه السّلام، و «المشهود» يوم القيامة.
وقوله: وَما نُؤَخِّرُهُ الآية، المعنى وما نؤخر يوم القيامة عجزا عن ذلك، لكن القضاء السابق قد نفذ فيه بأجل محدود لا يتقدم عنه ولا يتأخر.
وقرأ الجمهور «نؤخره» بالنون، وقرأ الأعمش «يؤخره» بالياء، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة «يوم يأت» بحذف الياء من «يأتي» في الوصل والوقف، وقرأ ابن كثير بإثباتها في الوصل والوقف، وقرأ نافع وأبو عمرو والكسائي بإثباتها في الوصل وحذفها في الوقف، ورويت أيضا كذلك عن ابن كثير، والياء ثابتة في مصحف أبي بن كعب، وسقطت في إمام عثمان، وفي مصحف ابن مسعود «يوم يأتون» ، وقرأ بها