وقوله: وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ الآية نهي عن عبادة الأصنام والشياطين وكل مدعو من دون الله وفائدة تكرار قوله: إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ الإبلاغ وهز النفس وتحكيم التحذير وإعادة الألفاظ بعينها في هذه المعاني بليغة بقرينة شدة الصوت.
وقوله تعالى: كَذلِكَ تقديره: سيرة الأمم كذلك، أو الأمر في القديم كذلك. وقوله: إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ معناه: إلا قال بعض: هذا وبعض: الجميع ألا ترى أن قوم نوح لم يقولوا قط: ساحِرٌ وإنما قالوا: بِهِ جِنَّةٌ [سبأ: ٨] فلما اختلف الفرق جعل الخبر عن ذلك بإدخال أو بين الصفتين، وليس المعنى أن كل أمة قالت عن نبيها إنه ساحر أو هو مجنون، فليست هذه كالمتقدمة في فرعون، بل هذه كأنه قال: إلا قالوا هو ساحر وهو مجنون.
قوله عز وجل:
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٥٣ الى ٦٠]
أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)
قوله تعالى: أَتَواصَوْا بِهِ توقيف وتعجيب من توارد نفوس الكفرة في تكذيب الأنبياء على تفرق أزمانهم أي أنهم لم يتواصوا، لكنهم فعلوا فعل من يتواصى.
والعلة في ذلك أن جميعهم طاغ، والطاغي: المستعلي في الأرض المفسد العاتي على الله.
وقوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أي عن الحرص المفرط عليهم، وذهاب النفس حسرات، ويحتمل أن يراد: فقول عن التعب المفرط في دعائهم وضمهم إلى الإسلام فلست بمصيطر عليهم ولست بِمَلُومٍ إذ قد بلغت، فنح نفسك عن الحزن عليهم، وذكر فقط، فإن الذكرى نافعة للمؤمنين ولمن قضي له أن يكون منهم في ثاني حال، وعلى هذا التأويل: فلا نسخ في الآية. إلا في معنى الموادعة التي فيها، إن آية السيف نسخت جميع الموادعات.
وروى قتادة وذكره الطبري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لما نزلت فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ حزن المسلمون وظنوا أنه مر بالتوالي عن الجميع وأن الوحي قد انقطع حتى نزلت: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فسروا بذلك.
وقوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ اختلف الناس في معناه مع إجماع أهل السنة على أن الله تعالى لم يرد أن تقع العبادة من الجميع، لأنه لو أراد ذلك لم يصح وقوع الأمر بخلاف إرادته، فقال ابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا لأمرهم بعبادتي، وليقروا لي بالعبودية فعبر عن ذلك بقوله: لِيَعْبُدُونِ إذ العبادة هي مضمن الأمر، وقال زيد بن