بالدثور والعطش، ثم بعد هذا الأمثلة القاضية بتجويز بعث الأجساد عقلا ساق الخبر بأن كذلك خروجنا من القبور. وقرأت فرقة «يخرجون» بالياء من تحت، وقرأ عامة القراء «تخرجون» بالتاء المضمومة، وقرأ الحسن وابن وثاب والأعمش وطلحة بفتح التاء وضم الراء، ومِنْ في قوله وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ للتبعيض، وقال خَلَقَكُمْ من حيث خلق أباهم آدم قاله قتادة، وتَنْتَشِرُونَ معناه تتصرفون وتتفرقون في الأغراض والأسفار ونحوها، وقوله مِنْ أَنْفُسِكُمْ يحتمل أن يريد خلقه حواء من ضلع آدم فحمل ذلك على جميع النساء من حيث أمهم مخلوقة من نفس آدم، أي من ذات شخصه، ويحتمل أن يريد من نوعكم ومن جنسكم، و «المودة والرحمة» على بابها المشهور من التواد والتراحم، هذا هو البليغ، وقال مجاهد والحسن وعكرمة: عنى ب «المودة» الجماع وب «الرحمة» الولد، ثم نبه تعالى على خلق السماوات والأرض واختلاف اللغات والألوان وهذه عظم مواقع العبرة من هذه الآيات، وقوله وَأَلْوانِكُمْ يحتمل أن يريد البياض والسواد وغيرهما، ويحتمل أن يريد ضروب بني آدم وأنواعهم نعم وأشخاص الأخوة ونحوهم تختلف بالألوان ونعم الألسنة وبذلك تصح الشهادات والمداينات وتقع الفروق والتعيين فهكذا تبين النعمة، وقرأ جمهور القراء «للعالمين» بفتح اللام، وقرأ حفص عن عاصم «للعالمين» بكسر اللام فالأولى على أن هذه الآية هي نفسها منصوبة لجميع العالم والثانية على معنى أن أهل الانتفاع بالنظر فيها إنما هم أهل العلم.
ذكر تعالى النوم بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وعرف النوم إنما هو بالليل وحده، ثم ذكر الابتغاء مِنْ فَضْلِهِ كأنه فيهما وإنما معنى ذلك أنه عم بالليل والنهار فسمى الزمان وقصد من ذلك تعديد آية النوم وتعديد آية ابتغاء الفضل فإنهما آيتان تكونان في ليل ونهار، والعرف يجيز كل واحدة من النعمتين أي محلها من الأغلب وقال بعض المفسرين في الكلام تقديم وتأخير.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ضعيف وإنما أراد أن يرتب النوم لليل والابتغاء للنهار ولفظ الآية لا يعطي ما أراد، وقوله تعالى: يُرِيكُمُ فعل مرتفع لما حذفت «أن» التي لو كانت لنصبته فلما حل الفعل محل الاسم أعرب بالرفع.
ومنه قول طرفة:[الطويل]
ألا أيها ذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي