للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي نهض متوركا على شماله، والذي عندي أن «ناء ونأى» فعلان متباينان، وناء بجانبه عبارة عن التحيز والاستبداد، ونأى عبارة عن البعد والفراق، ثم وصف الكفرة بأنهم إذا مسهم شر من مرض أو مصيبة في مال أو غير ذلك يئسوا من حيث لا يؤمنون بالله ولا يرجون تصرف أقداره، ثم قال عز وجل قُلْ يا محمد كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ أي على طريقته وبحسب نيته ومذهبه الذي يشبهه وهو شكله ومثل له، وهذه الآية تدل دلالة ما على أن الْإِنْسانِ أولا لم يرد به العموم، أي إن الكفار بهذه الصفات، والمؤمنون بخلافها، وكل منهم يعمل على ما يليق به، والرب تعالى أعلم بالمهتدي، وقال مجاهد: عَلى شاكِلَتِهِ معناه على طبيعته، وقال أيضا معناه على حدته، وقال ابن عباس: معناه على ناحيته، وقال قتادة:

معناه على ناحيته وعلى ما ينوي، وقال ابن زيد: معناه على دينه، وأرجح هذه العبارات قول ابن عباس وقتادة وفي قوله فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا توعد بين.

قوله عز وجل:

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٨٥ الى ٨٨]

وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨)

الضمير في يَسْئَلُونَكَ قيل هو لليهود وإن الآية مدنية، وروى عبد الله بن مسعود، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر على حرث بالمدينة، ويروى على خرب، وإذا فيه جماعة من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فإن أجاب فيه عرفتم أنه ليس بنبي، وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه، ولا يطلع عليه أحدا من عباده، قال ابن مسعود: وقال بعضهم: لا تسألوه لئلا يأتي فيه بشيء تكرهونه يعني والله أعلم من أنه لا يفسره فتقوى الحجة عليهم في نبوته، قال فسألوه فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عسيب، فظننت أنه يوحى إليه، ثم تلا عليهم الآية، وقيل الآية مكية والضمير لقريش، وذلك أنهم قالوا: نسأل عن محمد أهل الكتاب من اليهود، فأرسلوا إليهم إلى المدينة النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، فقال اليهود لهما: جرباه بثلاث مسائل، سلوه عن أهل الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح، فإن فسر الثلاثة فهو كذاب، وإن سكت عن الروح فهو نبي، فسألته قريش عن الروح، فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم «غدا أخبركم به» ، ولم يقل إن شاء الله، فاستمسك الوحي عليه خمسة عشر يوما، معاتبة على وعده لهم دون استثناء، ثم نزلت هذه الآية، واختلف الناس في الرُّوحِ المسئول عنه أي روح هو؟ فقالت فرقة هي الجمهور: وقع السؤال عن الروح التي في الأشخاص الحيوانية ما هي؟ ف الرُّوحِ اسم جنس على هذا، وهذا هو الصواب، وهو المشكل الذي لا تفسير له، وقال قتادة: الرُّوحِ المسئول عنه جبريل، قال وكان ابن عباس يكتمه، وقالت فرقة عيسى ابن مريم، وقال علي بن أبي طالب: «ملك له سبعون ألف وجه في كل

<<  <  ج: ص:  >  >>