أمر الله نبيه عليه السلام بالتقدمة إلى هؤلاء المخلفين بأنهم سيؤمرون بقتال عدو بئيس، وهذا يدل على أنهم كانوا يظهرون الإسلام، وإلا فلم يكونوا أهلا لهذا الأمر، واختلف الناس من القوم المشار إليهم في قوله: إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فقال عكرمة وابن جبير وقتادة: هم هوازن ومن حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين.
قال القاضي أبو محمد: ويندرج في هذا القول عندي من حورب وغلب في فتح مكة.
وقال كعب: هم الروم الذين خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك والذين بعث إليهم في غزوة مؤتة. وقال الزهري والكلبي: هم أهل الردة وبنو حنيفة باليمامة.
وقال منذر بن سعيد: يتركب على هذا القول أن الآية مؤذنة بخلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يريد لما كشف الغيب أنهما دعوا إلى قتال أهل الردة. وحكى الثعلبي عن رافع بن خديج أنه قال: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ولا نعلم من هم، حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم أريدوا. وقال ابن عباس وابن أبي ليلى: هم الفرس. وقال الحسن: هم فارس والروم. وقال أبو هريرة: هم قوم لم يأتوا بعد، والقولان الأولان حسنان، لأنهما الذي كشف الغيب وباقيهما ضعيف. وقال منذر بن سعيد: رفع الله في هذه الجزية، وليس إلا القتال أو الإسلام، وهذا لا يوجد إلا في أهل الردة.
قال القاضي أبو محمد: وهو من حورب في فتح مكة.
وقرأ الجمهور من القراء:«أو يسلمون» على القطع، أي أو هم يسلمون دون حرب. وقرأ أبيّ بن كعب فيما حكى الكسائي:«أو يسلموا» بنصب الفعل على تقدير: أو يكون أن يسلموا، ومثله من الشعر قول امرئ القيس:[الطويل]
فقلت له لا تبك عيناك إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
يروى:«نموت» بالنصب. و «نموت» بالرفع، فالنصب على تقدير: أو يكون أن نموت، والرفع على القطع، أو نحن نموت.
وقوله: فَإِنْ تُطِيعُوا معناه: فيما تدعون إليه، والعذاب الذي توعدهم: يحتمل أن يريد به عذاب الدنيا، وأما عذاب الآخرة فبين فيه.