للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام في أول أمره يجزع، ويؤمر بالقول اللين، ويطلب الوزير، فلما تقوت نفسه بقوى النبوءة، تجلد وقابل فرعون بأكثر مما أمره به بحسب اجتهاده الجائر له، قال ابن زيد: اجترأ موسى أن يقول له فوق ما أمره الله به، وقالت فرقة بل «المثبور» المغلوب المختدع، وما كان موسى عليه السلام ليكون لعانا، ومن اللفظة قول عبد الله بن الزبعرى: [الخفيف]

إذا جاري الشيطان في سنن الغ ... ي ومن مال ميله مثبورا

وقوله عز وجل فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ الآية، يَسْتَفِزَّهُمْ معناه يستخفهم ويقلعهم، إما بقتل أو بإجلاء، والْأَرْضِ أرض مصر، وقد تقدم أنه متى ذكرت الأرض عموما فإنما يراد بها ما يناسب القصة المتكلم فيها، وقد يحسن عمومها في بعض القصص.

قال القاضي أبو محمد: واقتضبت هذه الآية قصص موسى مع فرعون وإنما ذكرت عظم الأمر وخطيره، وذلك طرفاه، أراد فرعون غلبتهم وقتلهم وهذا كان بدء الأمر «فأغرقه» الله وأغرق جنوده وهذا كان نهاية الأمر، ثم ذكر تعالى أمر «بني إسرائيل» بعد إغراق فرعون بسكنى أرض الشام، ووَعْدُ الْآخِرَةِ هو يوم القيامة، و «اللفيف» الجمع المختلط الذي قد لف بعضه إلى بعض، فليس ثم قبائل ولا انحياز، قال بعض اللغويين: هو من أسماء الجموع ولا واحد له من لفظه، وقال الطبري هو بمعنى المصدر كقول القائل لففته لفا ولَفِيفاً وفي هذا نظر فتأمله.

قوله عز وجل:

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٨]

وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨)

الضمير في قوله أَنْزَلْناهُ عائد على القرآن المذكور، وفي قوله وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [الإسراء: ٨٩] ويجوز أن يكون الكلام آنفا. وأشار بالضمير إلى القرآن على ذكر متقدم لشهرته، كما قال حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: ٣٢] .

وهذا كثير، قال الزهراوي: معناه بالواجب الذي هو المصلحة والسداد للناس بِالْحَقِّ في نفسه، وقوله وَبِالْحَقِّ نَزَلَ، يريد بِالْحَقِّ في أوامره ونواهيه وأخباره فبهذا التأويل يكون تكرار اللفظ لمعنى غير الأول، وذهب الطبري إلى أنهما بمعنى واحد، أي بأخباره وأوامره وبذلك نزل، وقوله وَقُرْآناً مذهب سيبويه أن نصبه بفعل مضمر يفسره الظاهر بعد، أي «وفرقنا قرآنا» ، ويصح أن يكون معطوفا على الكاف في أَرْسَلْناكَ من حيث كان إرسال هذا وإنزال هذا لمعنى واحد، وقرأ جمهور من الناس «فرقناه» بتخفيف الراء، ومعناه بيناه وأوضحناه وجعلناه فرقانا، وقرأ ابن عباس وقتادة وأبو رجاء وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأبي بن كعب والشعبي والحسن بخلاف، وحميد وعمرو بن فائد «فرّقناه» بتشديد الراء، إلا أن

<<  <  ج: ص:  >  >>