فجمع بين اللغتين في بيت، وقرأ اليماني «فيسر بأهلك» ، وهذا الأمر بالسرى هو عن الله تعالى، أي يقال لك، و «القطع» الجزء من الليل، وقرأت فرقة «بقطع» بفتح الطاء حكاه منذر بن سعيد. وقوله: وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ أي كن خلفهم وفي ساقتهم حتى لا يبقى منهم أحد ولا يتلوى، وحَيْثُ في مشهورها ظرف مكان، وقالت فرقة أمر لوط أن يسير إلى زغر، وقيل: إلى موضع نجاة غير معروف عندنا، وقالت فرقة:
حَيْثُ قد تكون ظرف زمان، وأنشد أبو علي في هذا بيت طرفة:[المديد]
للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه
كأنه قال مدة مشيه وتنقله، وهذه الآية من حيث أمر أن يسري بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ثم قيل له «حيث تؤمر» . ونحن لا نجد في الآية أمرا له لا في قوله بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ أمكن أن تكون حَيْثُ ظرف زمان، ويَلْتَفِتْ مأخوذ من الالتفات الذي هو نظر العين، قال مجاهد: المعنى لا ينظر أحد وراءه.
قال القاضي أبو محمد: ونهوا عن النظر مخافة العقلنة وتعلق النفس بمن خلف، وقيل بل لئلا تتفطر قلوبهم من معاينة ما جرى على القرية في رفعها وطرحها. وقيل يَلْتَفِتْ معناه يتلوى من قولك لفت الأمر إذا لويته، ومنه قولهم للعصيدة لفيتة لأنها تلوى، بعضها على بعض.
المعنى وَقَضَيْنا ذلِكَ الْأَمْرَ أي أمضيناه وختمنا به، ثم أدخل في الكلام إِلَيْهِ من حيث أوحى ذلك إليه وأعلمه الله به فجلب هذا المعنى بإيجاز وحذف ما يدل الظاهر عليه وأَنَّ في موضع نصب، قال الأخفش: هي بدل من ذلِكَ، وقال الفراء: بل التقدير «بأن دابر» فحذف حرف الجر، والأول أصوب، و «الدابر» الذي يأتي آخر القوم أي في أدبارهم، وإذا قطع ذلك وأتى عليه فقد أتى العذاب من أولهم إلى آخرهم، وهذه ألفاظ دالة على الاستئصال والهلاك التام، يقال قطع الله دابره واستأصل شأفته وأسكت نأمته بمعنى. ومُصْبِحِينَ معناه إذا أصبحوا ودخلوا في الصباح، وقوله وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، يحتمل أن رجع الوصف أمر جرى قبل إعلام لوط بهلاك أمته، ويدل على هذا أن محاجة لوط لقومه تقتضي ضعف من لم يعلم إهلاكهم، وأن الأضياف ملائكة، ويحتمل قوله وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أن يكون بعد علمه بهلاكهم، وكان قوله ما يأتي من المحاورة على جهة التهكم عنهم والإملاء لهم والتربص بهم.