فَخَراجُ رَبِّكَ يريد ثوابه سماه «خراجا» من حيث كان معادلا للخراج في هذا الكلام، ويحتمل أن يريد فَخَراجُ رَبِّكَ رزق ربك ويؤيد هذا قوله وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، والصِّراطِ المستقيم، دين الإسلام و «ناكبون» معناه عادلون ومعرضون ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لو زال عنهم القحط ومنّ الله عليهم بالخصب ورحمهم بذلك لبقوا على كفرهم ولَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ، وهذه الآية نزلت في المرة التي أصابت قريشا فيها السنون المجدبة والجوع الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله اللهم سبعا كسني يوسف الحديث.
هذا إخبار من الله تعالى عن استكبارهم وطغيانهم بعد ما نالهم من الجوع، هذا قول روي عن ابن عباس وابن جريج أن «العذاب» هو الجوع والجدب المشهور نزوله بهم حتى أكلوا الجلود وما جرى مجراها والباب والمتوعد به يوم بدر، وهذا القول يرده أن الجدب الذي نالهم إنما كان بعد وقعة بدر وروي أنهم لما بلغهم الجهد جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألست تزعم يا محمد أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قال بلى قال قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع وقد أكلنا العهن فنزلت الآية، واسْتَكانُوا معناه انخفضوا وتواضعوا، ويحتمل أن يكون من السكون ويلزمه أن يكون «استكنوا» ووجهه أن فتحة الكاف مطلت فتولدت منه الألف ويعطي التصريف أنه من «كان» وأن وزنه استفعل وعلى الأول وزنه افتعل وكونه من «كان» أبين والمعنى فما طلبوا أن يكونوا لربهم أي طاعة وعبيد خير، وروي عن الحسن رضي الله عنه أنه قال: إذا أصاب الناس من قتل السلطان بلاء فإنما هي نقمة فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية ولكن استقبلوها بالاستغفار واستكينوا وتضرعوا إلى الله وقرأ هذه الآية وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ و «العذاب الشديد» ، إما يوم بدر بالسيوف كما قال بعضهم وإما توعد بعذاب غير معين وهو الصواب لما ذكرناه من تقدم بدر للمجاعة، وروي عن مجاهد أن العذاب والباب الشديد هو كله مجاعة قريش.
قال القاضي أبو محمد: وهذا حسن كأن الأخذ كان في صدر الأمر ثم فتح الباب عند تناهيه حيث أبلسوا وجاء أبو سفيان، والملبس: الذي قد نزل به شر ويئس من زواله ونسخه بخير.