للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]

وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨)

المعنى واذكر إِذْ بَوَّأْنا، و «بوأ» هي تعدية باء بالتضعيف، و «باء» معناه رجع فكأن المبوّئ يرد المبوأ إلى المكان، واستعملت اللفظة بمعنى سكن، ومنه قوله تعالى: نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ [الزمر: ٧٤] وقال الشاعر:

كم من أخ لي صالح ... بوأته بيديّ لحدا

واللام في قوله تعالى: لِإِبْراهِيمَ قالت فرقة هي زائدة، وقالت فرقة بَوَّأْنا نازلة منزلة فعل يتعدى باللام كنحو جعلنا ع والأظهر أن يكون المفعول الأول ب بَوَّأْنا محذوفا تقديره الناس أو العالمين، ثم قال لِإِبْراهِيمَ بمعنى له كانت هذه الكرامة وعلى يديه بوؤا، والْبَيْتِ هو الكعبة، وكان فيما روي قد جعله الله تعالى متعبدا لآدم عليه السلام، ثم درس بالطوفان، وغيره فلما جاءت مدة إبراهيم أمره الله تعالى ببنائه، فجاء إلى موضعه وجعل يطلب أثرا، فبعث الله ريحا فكشف له عن أساس آدم، فرفع قواعده عليه. وقوله أَنْ لا تُشْرِكْ هي مخاطبة لإبراهيم عليه السلام، في قول الجمهور حكيت لنا بمعنى قيل له لا تشرك، وقرأ عكرمة «ألا يشرك» بالياء على نقل معنى القول الذي قيل له، قال أبو حاتم: ولا بد من نصب الكاف على هذه القراءة بمعنى لأن لا يشرك ع يحتمل أن تكون «أن» في قراءة الجمهور مفسرة، ويحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة، وفي الآية طعن على من أشرك من قطان البيت، أي هذا كان الشرط على أبيكم فمن بعد، وأنتم لم تفوا بل أشركتم، وقالت فرقة: الخطاب من قوله أَنْ لا تُشْرِكْ لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمر بتطهير البيت والأذان بالحج ع والجمهور على أن ذلك لإبراهيم وهو الأصح. وتطهير البيت عام في الكفر والبدع وجميع الأنجاس والدماء وغير ذلك، و «القائمون» ، هم المصلون، وذكر تعالى من أركان الصلاة: أعظمها. وهي القيام والركوع والسجود، وقرأ جمهور الناس «وأذّن» بشد الذال، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وابن محيصن «وآذن» بمدة وتخفيف الذال وتصحف هذا على ابن جني، فإنه حكى عنها «وأذن» فعل ماض وأعرب عن ذلك بأن جعله عطفا على بَوَّأْنا، وروي أن إبراهيم عليه السلام لما أمر بالأذان بالحج قال يا رب وإذا ناديت فمن يسمعني؟ فقيل له ناد يا إبراهيم فعليك النداء وعلينا البلاغ فصعد على أبي قبيس وقيل على حجر المقام ونادى: أيها الناس، إن الله قد أمركم بحج هذا البيت فحجوا واختلفت الروايات في ألفاظه عليه السلام واللازم أن يكون فيها ذكر البيت والحج، وروي أنه يوم نادى أسمع كل من يحج إلى يوم القيامة في أصلاب الرجال وأجابه كل شيء في ذلك الوقت من جماد وغيره لبيك اللهم لبيك، فجرت التلبية على ذلك، قاله ابن عباس وابن جبير، وقرأ جمهور الناس «بالحج» بفتح الحاء، وقرأ ابن أبي إسحاق في كل القرآن بكسرها، ورِجالًا، جمع راجل كتاجر وتجار، وقرأ عكرمة وابن عباس وأبو مجلز وجعفر بن محمد «رجّالا» بضم الراء وشد الجيم، ككاتب وكتاب، وقرأ عكرمة أيضا وابن أبي إسحاق «رجالا» بضم الراء وتخفيف الجيم، وهو قليل في أبنية

<<  <  ج: ص:  >  >>