للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«يحشرهم» بالياء، والضمير في «يحشرهم» عائد على جميع الناس محسنين ومسيئين، ومَكانَكُمْ نصب على تقدير لازموا مكانكم وذلك مقترن بحال شدة وخزي، ومَكانَكُمْ في هذا الموضع من أسماء الأفعال إذ معناه قفوا واسكنوا، وهذا خبر من الله تعالى عن حالة تكون لعبدة الأوثان يوم القيامة يؤمرون بالإقامة في موقف الخزي مع أصنامهم ثم ينطق الله الأصنام بالتبري منهم. وقوله: وَشُرَكاؤُكُمْ، أي الذين تزعمون أنتم أنهم شركاء لله، فأضافهم إليهم لأن كونهم شركاء إنما هو بزعم هؤلاء، وقوله فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ معناه فرقنا في الحجة والمذهب وهو من زلت الشيء عن الشيء أزيله، وهو تضعيف مبالغة لا تعدية، وكون مصدر زيل تزييلا، يدل على أن زيل إنما هو فعل لا فيعل، لأن مصدره كان يجيء على فيعلة، وقرأت «فزايلنا» ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكفار إذا رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب قيل لهم اتبعوا ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد هؤلاء فتقول الأصنام: والله ما كنا نسمع ولا نعقل وما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ فيقولون والله لإياكم كنا نعبد فتقول الآلهة فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً الآية.

قال القاضي أبو محمد: وظاهر هذه الآية أن محاورتهم إنما هي مع الأصنام دون الملائكة وعيسى بن مريم بدليل القول لهم مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ ودون فرعون ومن عبد من الجن بدليل قولهم إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ، وهؤلاء لم يغفلوا قط عن عبادة من عبدهم، وأَنْتُمْ رفع بالابتداء والخبر موبخون أو مهانون، ويجوز أن يكون أَنْتُمْ تأكيدا للضمير الذي في الفعل المقدر الذي هو قفوا أو نحوه. وشَهِيداً نصب على التمييز، وقيل على الحال، «وإن» هذه عند سيبويه هي مخففة موجبة حرف ابتداء ولزمتها اللام فرقا بينها وبين «إن» النافية، وقال الفراء: «إن» بمعنى ما واللام بمعنى إلا، وهُنالِكَ نصب على الظرف، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر «تبلوا» بالباء بواحدة بمعنى اختبر، وقرأ حمزة والكسائي «تتلوا» بالتاء بنقطتين من فوق بمعنى تتبع أي تطلب وتتبع ما أسلفت من أعمالها، ويصح أن يكون بمعنى تقرأ كتبها التي ترفع إليها، وقرأ يحيى بن وثاب «وردوا» بكسر الراء والجمهور «وردوا إلى الله» ، أي ردوا إلى عقاب مالكهم وشديد بأسه، فهو مولاهم في الملك والإحاطة لا في الرحمة والنصر ونحوه.

قوله عز وجل:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣١ الى ٣٣]

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣)

هذا توقيف وتوبيخ واحتجاج لا محيد عن التزامه، ومِنَ السَّماءِ يريد بالمطهر ومن الْأَرْضِ يريد بالإنبات ونحو ذلك، ويَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ، لفظ يعم جملة الإنسان ومعظمه حتى أن ما عداهما من الحواس تبع، ويُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ الجنين من النطفة، والطائر من البيضة، والنبات من

<<  <  ج: ص:  >  >>