للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطائفة الكافرة الموصوفة بما تقدم لما تركت آيات الله ودينه وآثرت الكفر وحالها في بلادها كل ذلك كالشراء والبيع، لما كان ترك قد مكنوا منه وأخذ لما يمكن نبذه، وهذه نزعة مالك رحمه الله في منع اختيار المشتري فيما تختلف آحاد جنسه ولا يجوز التفاضل فيه، وقد تقدم ذكر ذلك في سورة البقرة وقوله فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ يريد صدوا أنفسهم وغيرهم، ثم حكم عليهم بأن عملهم سيء، وساءَ في هذه الآية إذ لم يذكر مفعولها يحتمل أن تكون مضمنة كبئس، فأما إذا قلت ساءني فعل زيد فليس تضمين بوجه، وإن قدرت في هذه الآية مفعولا زال التضمين، وروي أن أبا سفيان بن حرب جمع بعض العرب على طعام وندبهم إلى وجه من وجوه النقض فأجابوا إلى ذلك فنزلت الآية، وقال بعض الناس: هذه في اليهود.

قال القاضي أبو محمد: وهذا القول وإن كانت ألفاظ هذه الآية تقتضيه فما قبلها وما بعدها يرده ويتبرأ منه، ويختل أسلوب القول به، وقوله تعالى: لا يَرْقُبُونَ الآية، وصف لهذه الطائفة المشترية يضعف ما ذهب إليه من قال إن قوله اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ هو في اليهود، وقوله تعالى: فِي مُؤْمِنٍ إعلام بأن عداوتهم إنما هي بحسب الإيمان فقط، وقوله أولا فِيكُمْ كان يحتمل أن يظن ظان أن ذلك للإحن التي وقعت فزال هذا الاحتمال بقوله فِي مُؤْمِنٍ، ثم وصفهم تعالى بالاعتداء والبداءة بالنقض للعهود والتعمق في الباطل.

قوله عز وجل:

[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١ الى ١٢]

فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢)

تابُوا رجعوا عن حالهم، والتوبة منهم تتضمن الإيمان، ثم قرن تعالى بإيمانهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، قال ابن عباس: حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة، وقال ابن زيد: قرن الله الصلاة بالزكاة ولم يرض بإحداهما دون الأخرى.

قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا مر أبو بكر رضي الله عنه وقت الردة، و «الأخوة في الدين» هي أخوة الإسلام وجمع الأخ منها إخوان وجمعه من النسب إخوة قاله بعض اللغويين، وقد قيل إن الأخ من النسب يجمع على إخوان أيضا وذلك ظاهر من قوله تعالى وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ [النور: ٦١] ويبين ذلك قوله تعالى في آخر الآية أَوْ صَدِيقِكُمْ [النور: ٦١] وكذلك قوله في هذه السورة قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ [التوبة: ٢٤] ، فأما الأخ من التوادّ ففي كتاب الله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: ١٠] ، وقال أبو هريرة في البخاري كان إخوتي من المهاجرين يشغلهم صفق بالأسواق فيصح من هذا كله أن الأخ يجمع إخوة وإخوانا سواء كان من نسب أو مودة، وتفصيل الآية بيانها وإيضاحها، وقوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ الآية النكث النقض وأصله في كل ما قبل ثم حل، فهي في الأيمان والعهود مستعارة، وقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>