للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجماعة: ناشِئَةَ اللَّيْلِ ساعاته كلها لأنها تنشأ شيئا بعد شيء. وقال أبو مجلز وابن عباس وابن الزبير والحسن: ما كان بعد العشاء فهو ناشِئَةَ، وما كان قبلها فليس ب ناشِئَةَ، قال ابن عباس:

كانت صلاتهم أول الليل فهي أَشَدُّ وَطْئاً أي أجدر أن يحصوا ما فرض الله عليكم من القيام لأن الإنسان إذا نام لا يدري متى يستيقظ؟ وقال الكسائي: ناشِئَةَ اللَّيْلِ أوله، وقال ابن عباس وابن الزبير: الليل كله ناشِئَةَ وأَشَدُّ وَطْئاً، على هذا يحتمل أن يكون أشد ثبوتا فيكون نسب الثبوت إليها من حيث هو القائم فيها. ويحتمل أن يريد أنها صعبة القيام لمنعها النوم كما قال «اللهم اشدد وطأتك على مضر» فذكرها تعالى بالصعوبة ليعلم عظم الأجر فيها كما وعد على الوضوء على المكاره والمشي في الظلام إلى المساجد ونحوه. وقرأ الجمهور: «وطئا» بفتح الواو وسكون الطاء، وقرأ أبو عمرو ومجاهد وابن الزبير وابن عباس: «وطاء» على وزن فعال، والمعنى موافقة لأنه يخلو البال من أشغال النهار وأشغابه، فيوافق قلب المرء لسانه، وفكره عبارته فهذه مواطأة صحيحة، وبهذا المعنى فسر اللفظ مجاهد وغيره، وقرأ قتادة في رواية حسين: «وطاء» بكسر الواو وسكون الطاء والهمزة مقصورة، وقرأ أنس «وأصوب قيلا» ، فقيل له إنما هو أَقْوَمُ، فقال: أقوم وأصوب وأهيأ واحد. وقوله تعالى: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا أي تصرفا وترددا في أمورك كما يتردد السابح في الماء. ومنه سمي الفرس سابحا لتثنيه واضطرابه، وقال قوم من أهل العلم إنما معنى الآية التنبيه على أنه إن فات حزب الليل بنوم أو عذر فليخلف بالنهار فإن فيه سَبْحاً طَوِيلًا، وقرأ يحيى بن يعمر وعكرمة: «سبخا طويلا» بالخاء منقوطة، ومعناه خفة لك من التكاليف، والتسبيخ التخفيف، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا تسبخي عنه» لعائشة في السارق الذي سرقها، فكانت تدعو عليه، معناه لا تخففي عنه. قال أبو حاتم: فسر يحيى السبح بالنوم.

وقال سهل: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ يراد اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك، وَتَبَتَّلْ معناه: انقطع من كل شيء إلا منه وافرغ إليه. قال زيد بن أسلم: التبتل رفض الدنيا ومنه تبتل الحبل، وقولهم في الهبات ونحوها بتلة، ومنه البتول، وتَبْتِيلًا مصدر على غير المصدر، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: «ربّ المشرق» بالخفض على البدل من رَبِّكَ، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: «ربّ» على القطع أي هو رب أو على الابتداء والخبر لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. وقرأ ابن عباس وأصحاب عبد الله: «رب المشارق والمغارب» بالجمع. والوكيل: القائم بالأمر الذي يوكل إليه الأشياء، وقوله تعالى: وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ الآية، قيل هي موادعة منسوخة بآية السيف، والمراد بالآية قريش. وقال بعض العلماء: قوله وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا منسوخ، وأما الصبر على ما يقولون فقد يتوجه أحيانا ويبقى حكمه، وفيما يتوجه من الهجر الجميل من المسلمين، قال أبو الدرداء: إنا لنكشر في وجوه قوم وإن قلوبنا لتقليهم. والقول الأول أظهر لأن الآية إنما هي في كفر قريش وردهم رسالته وإعلائهم بذلك لا يمكن أن يكون الحكم في هذه المعاني باقيا.

قوله عز وجل:

[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١١ الى ١٨]

وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤) إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥)

فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (١٦) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧) السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (١٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>