قالت فرقة: هذه آية أمر الله تعالى فيها بالجهاد في سبيله وهو قتال الكفار، وقالت فرقة: بل هي أعم من هذا وهو جهاد النفس وجهاد الكافرين وجهاد الظلمة وغير ذلك، أمر الله تعالى عباده بأن يفعلوا ذلك في ذات الله حق فعله ع والعموم حسن وبين أن عرف اللفظة تقتضي القتال في سبيل الله، وقال هبة الله وغيره:
إن قوله حَقَّ جِهادِهِ وقوله في الأخرى، حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران: ١٠٢] ، منسوخ بالتخفيف إلى الاستطاعة ع ومعنى الاستطاعة في هذه الأوامر هو المراد من أول الأمر فلم يستقر تكليف بلوغ الغاية شرعا ثابتا فيقال إنه نسخ بالتخفيف، وإطلاقهم النسخ في هذا غير محدق، واجْتَباكُمْ معناه تخيركم، وقوله وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ معناه من تضييق يريد في شرعة الملة، وذلك أنها حنيفية سمحة ليست كشدائد بني إسرائيل وغيرهم بل فيها التوبة والكفارات والرخص ونحو هذا مما كثر عده، والحرجة الشجر الملتف المتضايق، ورفع الحرج لجمهور هذه الأمة ولمن استقام على منهاج الشرع، وأما السلابة والسرّاق وأصحاب الحدود فعليهم الحرج وهم جاعلوه على أنفسهم بمفارقتهم الدين، وليس في الشرع أعظم حرجا من إلزام ثبوت رجل لاثنين في سبيل الله ومع صحة اليقين وجودة العزم ليس بحرج، وقوله مِلَّةَ، نصب بفعل مضمر تقديره بل جعلها أو نحوه من أفعال الإغراء، وقال الفراء هو نصب على تقدير حذف الكاف كأنه قال كملة وقيل هو كما ينصب المصدر، وقوله هُوَ سَمَّاكُمُ، قال ابن زيد الضمير ل إِبْراهِيمَ والإشارة إلى قوله وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة: ١٢٨] ، وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد الضمير لله تعالى، ومِنْ قَبْلُ، معناه في الكتب القديمة وَفِي هذا، في القرآن، وهذه اللفظة تضعف قول من قال: الضمير، ل إِبْراهِيمَ ولا يتوجه إلا على تقدير محذوف من الكلام مستأنف، وقوله لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ أي بالتبليغ، وقوله وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ أي بتبليغ رسلهم إليهم على ما أخبركم نبيكم، وأسند الطبري إلى قتادة أنه قال: أعطيت هذه الأمة ما لم يعطه إلا نبي، كان يقال للنبي أنت شهيد على أمتك وقيل لهذه وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وكان يقال للنبي ليس عليك حرج وقيل لهذه وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وكان يقال للنبي سل تعط وقيل لهذه ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: ٦٠] ثم أمر تعالى ب الصَّلاةَ المفروضة أن تقام ويدام عليها بجميع حدودها، وب الزَّكاةَ أن تؤدى كما أنعم عليكم، فافعلوا كذا ثم أمر ب «الاعتصام بالله» أي بالتعلق به والخلوص له وطلب النجاة منه، ورفض التوكل على سواه، والْمَوْلى في هذه الآية الذي يليكم نصره وحفظه، وباقي الآية بين.