والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد اجتهدت، ولكن من يخذل الله يخذل، ثم قال: أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله وقدره ملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم تقدم فضربت عنقه، وفيه يقول جبل بن حوال الثعلبي:[الطويل]
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ... ولكنه من يخذل الله يخذل
لأجهد حتى أبلغ النفس عذرها ... وقلقل يبغي العز كل مقلقل
وظاهَرُوهُمْ معناه عاونوهم، وقرأ عبد الله بن مسعود «آزروهم» وهي بمعنى ظاهَرُوهُمْ و «الصياصي» : الحصون، واحدها صيصية وهي كل ما يمتنع به، ومنه يقال لقرون البقر الصياصي، والصياصي أيضا: شوك الحاكة، وتتخذ من حديد، ومنه قول دريد بن الصمة:[الطويل] كوقع الصياصي في النسيج الممدّد والفريق المقتول: الرجال المقاتلة، والفريق المأسور: العيال والذرية، وقرأ الجمهور «وتأسرون» بكسر السين، وقرأ أبو حيوة «تأسرون» بضم السين، وقوله وَأَوْرَثَكُمْ استعارة من حيث حصل ذلك لهم بعد موت الآخرين من قبلهم، وقوله وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها، يريد بها البلاد التي فتحت على المسلمين بعد كالعراق والشام ومكة فوعد الله تعالى بها عند فتح حصون بني قريظة وأخبر أنه قد قضى بذلك قاله عكرمة، وذكر الطبري عن فرق أنهم خصصوا ذلك، فقال الحسن بن أبي الحسن: أراد الروم وفارس، وقال قتادة:
كنا نتحدث أنها مكة، وقال يزيد بن رومان ومقاتل وابن زيد: هي خيبر، وقالت فرقة اليمن.
قال الفقيه الإمام القاضي: ولا وجه لتخصيص شيء من ذلك دون شيء.
اختلف الناس في سبب هذه الآية، فقالت فرقة سببها غيرة غارتها عائشة، وقال ابن زيد وقع بين أزواجه عليه السلام تغاير ونحوه مما شقي هو به فنزلت الآية بسبب ذلك، ويسر الله له أن يصرف إرادته في أن يؤوي إليه من يشاء، وقال ابن الزبير: نزل ذلك بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أزواجه النفقة وتشططن في تكليفه منها فوق وسعه، وقالت فرقة بل سبب ذلك أنهن طلبن منه ثيابا وملابس وقالت واحدة: لو كنا عند غير النبي لكان لنا حلي ومتاع. وقال بعض الناس: هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلاوتها عليهن وتخييرهن بين الدنيا والآخرة وأمر الطلاق مرجا فلو اخترن أنفسهن نظر هو كيف يسرحهن وليس فيها تخييرهن في الطلاق، لأن التخيير يتضمن ثلاث تطليقات وهو قد قال وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا وليس مع بت الطلاق سراح جميل، وقالت فرقة: بل هي آية تخيير فاخترنه ولم يعد ذلك