وروي أن الله تعالى خلق خلقا وأمرهم بالسجود لآدم فعصوا فأحرقهم بالنار، ثم خلق آخرين وأمرهم بذلك فعصوا فأحرقهم، ثم خلق الملائكة فأمرهم بذلك فسجدوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والإسناد في مثل هذا غير وثيق.
وقال جمهور المتأولين: معنى وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ أي في علم الله تعالى أنه سيكفر، لأن الكافر حقيقة والمؤمن حقيقة هو الذي قد علم الله منه الموافاة.
وذهب الطبري: إلى أن الله أراد بقصة إبليس تقريع أشباهه من بني آدم وهم اليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، مع علمهم بنبوته ومع تقدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم. واختلف هل كفر إبليس جهلا أو عنادا على قولين بين أهل السنة، ولا خلاف أنه كان عالما بالله قبل كفره، فمن قال إنه كفر جهلا قال:«إنه سلب العلم عند كفره» . ومن قال كفر عنادا قال:«كفر ومعه علمه» ، قال: والكفر عنادا مع بقاء العلم مستبعد، إلا أنه عندي جائز لا يستحيل مع خذل الله لمن شاء. ولا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة، وبعد إخراجه قال لآدم اسكن.
اسْكُنْ معناه لازم الإقامة، ولفظه لفظ الأمر ومعناه الإذن، وأَنْتَ تأكيد للضمير الذي في اسْكُنْ، وَزَوْجُكَ عطف عليه والزوج امرأة الرجل وهذا أشهر من زوجة، وقد تقدم، والْجَنَّةَ البستان عليه حظيرة، واختلف في الجنة التي أسكنها آدم، هل هي جنة الخلد أو جنة أعدت لهما؟ وذهب من لم يجعلها جنة الخلد إلى أن من دخل جنة الخلد لا يخرج منها، وهذا لا يمتنع، إلا أن السمع ورد أن من دخلها مثابا لا يخرج منها، وأما من دخلها ابتداء كآدم فغير مستحيل ولا ورد سمع بأنه لا يخرج منها.
واختلف متى خلقت حواء من ضلع آدم عليه السلام؟ فقال ابن عباس «حين أنبأ الملائكة بالأسماء واسجدوا له ألقيت عليه السنة وخلقت حواء، فاستيقظ وهي إلى جانبه» فقال فيما يزعمون: لحمي ودمي، وسكن إليها، فذهبت الملائكة لتجرب علمه، فقالوا له يا آدم ما اسمها؟ قال: حواء. قالوا: ولم؟
قال: لأنها خلقت من شيء حي، ثم قال الله له: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.
وقال ابن مسعود وابن عباس أيضا: لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصيرى، ليسكن إليها ويستأنس بها، فلما انتبه رآها، فقال: من أنت؟ قالت: امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي، وحذفت النون من كُلا للأمر، والألف الأولى لحركة الكاف حين حذفت الثانية لاجتماع المثلين وهو حذف شاذ، ولفظ هذا الأمر ب كُلا معناه الإباحة، بقرينة قوله: حَيْثُ شِئْتُما والضمير في مِنْها عائد على الْجَنَّةَ.