شيئا أدنى شبها «بالمهل» من هذا، يريد أدنى شبها بشراب أهل النار، وقالت فرقة «المهل» : الصديد والدم إذا اختلطا، ومنه قول أبي بكر الصديق في الكفن:«إنما هو للمهلة» ، يريد لما يسيل من الميت في قبره، ويقوى هذا بقوله وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ [إبراهيم: ١٦] الآية. وقوله يَشْوِي الْوُجُوهَ روي في معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تقرب الشربة من الكافر، فإذا دنت منه تكرهها، فإذا دنت أكثر شوت وجهه، وسقطت فيها فروة وجهه، وإذا شرب تقطعت أمعاؤه. و «المرتفق» ، الشيء الذي يرتفق به أي يطلب رفقه، و «المرتفق» الذي هو المتكأ أخص من هذا الذي في الآية، لأنه في شيء واحد من معنى الرفق، على أن الطبري قد فسر الآية به، والأظهر عندي أن يكون «المرتفق» بمعنى الشيء الذي يطلب رفقه باتكاء وغيره، وقال مجاهد «المرتفق» المجتمع كأنه ذهب بها إلى موضع الرفاقة، ومنه الرفقة، وهذا كله راجع إلى الرفق، وأنكر الطبري أن يعرف لقول مجاهد معنى، والقول بين الوجه، والله المعين.
قوله عز وجل: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا اعتراض مؤكد للمعنى، مذكر بأفضال الله، منبه على حسن جزائه بين قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وقوله أُولئِكَ، فقوله تعالى:
أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ابتداء وخبر جملة، هي خبر إِنَّ الأولى، ونحو هذا من الاعتراض قول الشاعر:[البسيط]
إن الخليفة إن الله ألبسه ... سربال ملك به ترجى الخواتيم
قال الزجاج: ويجوز أن يكون خبر إن في قوله إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا لأن المحسنين هم المؤمنون فكأن المعنى: لا يضيع أجرهم.
قال القاضي أبو محمد: ومذهب سيبويه أن الخبر في قوله لا نُضِيعُ على حذف العائد تقديره، مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا منهم، و «العدن» : الإقامة، ومنه المعدن، لأن حجره مقيم فيه ثابت، وقوله مِنْ تَحْتِهِمُ يريد من تحت غرفهم، ومبانيهم، وقرأ الجمهور «من أساور» وروى أبان عن عاصم «أسورة» من غير ألف، وبزيادة هاء. وواحد الأساور إسوار، حذفت الياء من الجمع لأن الباب أساوير، وهي ما كان من الحلي في الذراع. وقيل أَساوِرَ جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، وإنما الإسوار بالفارسية القائد ونحوه ويقال في حلي الذراع أسوار، ذكره أبو عبيدة معمر ومنه قول الشاعر:[الرجز]