للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: وهذا القول منه رضي الله عنه وعظ بالآية، وهو مع ذلك يرى أن يحكم عليه في العودة ويكفر لكنه خشي مع ذلك بقاء النقمة، وقال ابن زيد: معنى الآية عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ لكم أيها المؤمنون من قتل الصيد قبل هذا النهي والتحريم، قال وأما من عاد فقتل الصيد وهو عالم بالحرمة متعمد للقتل فهذا لا يحكم عليه، وهو موكول إلى نقمة الله، ومعنى قوله مُتَعَمِّداً في صدر الآية أي متعمدا للقتل ناسيا للحرمة.

قال القاضي أبو محمد: وقد تقدم ذكر هذا الفصل، قال الطبري: وقال قوم: هذه الآية مخصوصة في شخص بعينه وأسند إلى زيد بن المعلى أن رجلا أصاب صيدا وهو محرم فتجوز له عنه ثم عاد فأرسل الله عليه نارا فأحرقته، فذلك قوله تعالى: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وقوله تعالى: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ تنبيه على صفتين تقتضي خوف من له بصيرة، ومن خاف ازدجر، ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل.

قوله عز وجل:

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٦ الى ٩٨]

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦) جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨)

هذا حكم بتحليل صيد البحر وهو كل ما صيد من حيتانه، وهذا التحليل هو للمحرم وللحلال، والصيد هنا أيضا يراد به الصيد، وأضيف إلى البحر لما كان منه بسبب، والْبَحْرِ الماء الكثير ملحا كان أو عذبا، وكل نهر كبير بحر، واختلف الناس في معنى قوله وَطَعامُهُ قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وجماعة كثيرة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم هو ما قذف به وما طفا عليه لأن ذلك طعام لا صيد، وسأل رجل ابن عمر عن حيتان طرحها البحر فنهاه عنها ثم قرأ المصحف فقال لنافع الحقه فمره بأكلها فإنها طعام البحر، وهذا التأويل ينظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وجماعة: «طعامه» كل ما ملح منه وبقي، وتلك صنائع تدخله فترده طعاما، وإنما الصيد الغريض، وقال قوم طَعامُهُ ملحه الذي ينعقد من مائه وسائر ما فيه من نبات ونحوه. وكره قوم خنزير الماء، وقال مالك رحمه الله: أنتم تقولون خنزير، ومذهبه إباحته، وقول أبي بكر وعمر هو أرجح الأقوال، وهو مذهب مالك، وقرأ ابن عباس وعبد الله بن الحارث و «طعمه» بضم الطاء وسكون العين دون ألف ومَتاعاً نصب على المصدر والمعنى متعكم به متاعا تنتفعون به وتأتدمون، ولَكُمْ يريد حاضري البحر ومدنه، وَلِلسَّيَّارَةِ المسافرين، وقال مجاهد أهل القرى هم المخاطبون، والسيارة أهل الأمصار.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: كأنه يريد أهل قرى البحر وأن السيارة من أهل الأمصار غير تلك القرى يجلبونه إلى الأمصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>