للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ السَّمِيعُ أي لجميع ما يقولونه الْعَلِيمُ بما في نفوسهم من ذلك، وفي ضمن هذه الصفات تهديد، ثم استفتح بقوله أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ أي بالملك والإحاطة، وغلب من يعقل في قوله مَنْ إذ له ملك الجميع ما فيها ومن فيها، وإذ جاءت العبارة ب «ما» فذلك تغليب للكثرة إذ الأكثر عددا من المخلوقات لا يعقل، ف مَنْ تقع للصنفين بمجموعهما، «وما» كذلك» ، ولا تقع لما يعقل إذا تجرد من الصفات والأحوال، ألا ترى لو ذكرت لك قوله في مسألة فأردت أن تسأل عن قائلها أيجوز في كلام العرب أن تقول: ما قائل هذا القول؟ هذا ما يتقلده من يفهم كلام العرب، وقوله وَما يَتَّبِعُ يصح أن تكون ما استفهاما بمعنى التقرير وتوقيف نظر المخاطب، ويعمل يَدْعُونَ في قوله شُرَكاءَ ويصح أن تكون نافية ويعمل يَتَّبِعُ في شُرَكاءَ على معنى أنهم لا يتبعون شركاء حقا، ويكون مفعول يَدْعُونَ محذوفا، وفي هذا الوجه عندي تكلف وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي «تدعون» بالتاء وهي قراءة غير متجهة وقوله إِنَّ نافية ويَخْرُصُونَ معناه يحدسون ويخمنون لا يقولون بقياس ولا نظر، وقرأت فرقة «ولا يحزنك» من أحزن، وقرأت فرقة «ولا يحزنك» من حزن.

قوله عز وجل:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٧ الى ٧٠]

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)

لما نص عظمة الله تعالى في الآية المتقدمة عقب ذلك في هذه بالتنبيه على أفعاله لتبين العظمة المحكوم بها قبل، وقوله لِتَسْكُنُوا دال على أن النهار للحركة والتصرف، وكذلك هو في الوجود، وذلك أن حركة الليل متعذرة بفقد الضوء، وقوله وَالنَّهارَ مُبْصِراً مجاز لأن النهار لا يبصر ولكنه ظرف للإبصار، وهذا موجود في كلام العرب إذ المقصود من ذلك مفهوم، فمن ذلك قول ذي الرمة: [الطويل]

لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ... ونمت وما ليل المطي بنائم

وليس هذا من باب النسب كعيشة راضية ونحوها. وإنما ذلك مثل قول الشاعر: [الكامل]

أما النهار ففي قيد وسلسلة ... والليل في بيت منحوت من الساج

فجعل الليل والنهار بهاتين الحالتين وليس يريد إلا أنه هو فيهما كذلك، وهذا البيت لمسجون كان يبيت في خشبة السجن، وعلى أن هذا البيت قد ينشد «أما النهار» بالنصب، وفي هذه الألفاظ إيجاز وإحالة على ذهن السامع لأن العبرة هي في أن الليل مظلم يسكن فيه والنهار مبصر يتصرف فيه، فذكر طرف من

<<  <  ج: ص:  >  >>