للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى:

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٠ الى ١٦٢]

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢)

قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ عطف على قوله فَبِما نَقْضِهِمْ [النساء: ١٥٥] كأنه قال فبنقضهم لعناهم وأوجبنا عذابهم، فبظلم منهم حرمنا عليهم المطاعم، وجعل الله تعالى هذه العقوبة الدنيوية إزاء ظلم بني إسرائيل في تعنتهم وسائر أخلاقهم الدميمة، و «الطيبات» هنا: هي الشحوم وبعض الذبائح والطير والحوت وغير ذلك، وقرأ ابن عباس «طيبات كانت أحلت لهم» وقوله تعالى وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً يحتمل أن يريد صدهم في ذاتهم، ويحتمل أن يريد صدهم غيرهم، وإلى هذا ذهب الطبري، وقال: هو جحدهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم صدوا بذلك جمعا عظيما من الناس عن سبيل الله وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا: هو الدرهم بالدرهمين إلى أجل ونحو ذلك مما هو مفسدة، وقد نهوا عنه فشرعوه لأنفسهم واستمروا عليه من ذلك، ومن كراء العين ونحوه، وأكل أموال الناس بالباطل: هو الرشى، ثم استثنى الله تعالى من بني إسرائيل «الراسخين» في علم التوراة الذين قد تحققوا أمر محمد عليه السلام وعلاماته، وهم: عبد الله بن سلام، ومخيريق، ومن جرى مجراهما، وَالْمُؤْمِنُونَ: عطف على الراسخين، و «ما أنزل» إلى محمد هو القرآن، والذي أنزل من قبله: هو التوراة والإنجيل، واختلف الناس في معنى قوله وَالْمُقِيمِينَ وكيف خالف إعرابها إعراب ما تقدم وتأخر، فقال أبان بن عثمان بن عفان وعائشة رضي الله عنها: ذلك من خطأ كاتب المصحف، وروي أنها في مصحف أبيّ بن كعب «والمقيمون» وقد روي أنها فيه وَالْمُقِيمِينَ كما هي في مصحف عثمان. قال الفراء: وفي مصحف ابن مسعود «والمقيمون» وكذلك روى عصمة عن الأعمش، وكذلك قرأ سعيد بن جبير، وكذا قرأ عمرو بن عبيد والجحدري وعيسى بن عمر ومالك بن دينار، وكذلك روى يونس وهارون عن أبي عمرو، وقال آخرون: ليس ذلك من خطأ الكاتب ولا خطأ في المصحف، وإنما هذا من قطع النعوت إذا كثرت على النصب بأعني، والرفع بعد ذلك بهم، وذهب إلى هذا المعنى بعض نحويي الكوفة والبصرة، وحكي عن سيبويه: أنه قطع على المدح، وخبر لكِنِ يُؤْمِنُونَ لأن المدح لا يكون إلا بعد تمام الجملة الأولى، وهذا كقول خرنق بنت هفان:

[الكامل]

لا يبعدن قومي الّذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر

النّازلين بكلّ معترك ... والطّيّبون معاقد الأزر

قال القاضي أبو محمد: وقد فرق بين الآية والبيت بحرف العطف الذي في الآية، فإنه يمنع عند بعضهم تقدير الفعل، وفي هذا نظر، وقال قوم: قوله تعالى وَالْمُقِيمِينَ ليس بعطف على قوله

<<  <  ج: ص:  >  >>