المراد آياته النازلة في الأوامر والنواهي، وقال الحسن:«نزلت هذه الآية فيمن طلق لاعبا أو هازلا أو راجع كذلك» ، وقالته عائشة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ثلاث جدهن جد وهزلهن جد:
النكاح والطلاق والرجعة» . ووقع هذا الحديث في المدونة من كلام ابن المسيب، النكاح والطلاق والعتق، ثم ذكر الله عباده بإنعامه عليهم بالقرآن والسنة، والْحِكْمَةِ هي السنة المبينة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: مراد الله فيما لم ينص عليه في الكتاب، والوصف ب عَلِيمٌ يقتضيه ما تقدم من الأفعال التي ظاهرها خلاف النية فيها، كالمحلل والمرتجع مضارة.
وقوله تعالى: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ الآية خطاب للمؤمنين الذين منهم الأزواج ومنهم الأولياء، لأنهم المراد في تَعْضُلُوهُنَّ، وبلوغ الأجل في هذا الموضع تناهيه، لأن المعنى يقتضي ذلك، وقد قال بعض الناس في هذا الموضع: إن المراد ب تَعْضُلُوهُنَّ، الأزواج، وذلك بأن يكون الارتجاع مضارة عضلا عن نكاح الغير، فقوله أَزْواجَهُنَّ على هذا يعني به الرجال، إذ منهم الأزواج، وعلى أن المراد ب تَعْضُلُوهُنَّ الأولياء فالأزواج هم الذين كنّ في عصمتهم، والعضل المنع من الزواج، وهو من معنى التضييق والتعسير، كما يقال أعضلت الدجاجة إذا عسر بيضها، والداء العضال العسير البرء، وقيل: نزلت هذه الآية في معقل بن يسار وأخته، وقيل: في جابر بن عبد الله، وذلك أن رجلا طلق أخته، وقيل بنته، وتركها حتى تمت عدتها، ثم أراد ارتجاعها فغار جابر، وقال:«تركتها وأنت أملك بها، لا زوجتكها أبدا» ، فنزلت الآية، وهذه الآية تقتضي ثبوت حق الولي في إنكاح وليته، وأن النكاح يفتقر إلى ولي، خلاف قول أبي حنيفة إن الولي ليس من شروط النكاح، وقوله بِالْمَعْرُوفِ معناه المهر والإشهاد.
وقوله تعالى: ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: ثم رجوع إلى خطاب الجماعة، والإشارة في ذلِكُمْ أَزْكى إلى ترك العضل، وأَزْكى وأَطْهَرُ معناه أطيب للنفس وأطهر للعرض والدين، بسبب العلاقات التي تكون بين الأزواج، وربما لم يعلمها الولي فيؤدي العضل إلى الفساد والمخالطة على ما لا ينبغي، والله- تعالى- يعلم من ذلك ما لا يعلم البشر.
قوله عز وجل:
والوالدات يرضعن أولدهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ خبر، معناه: الأمر على الوجوب لبعض الوالدات، والأمر على جهة الندب والتخيير لبعضهن، فأما المرأة التي في العصمة فعليها الإرضاع، وهو عرف يلزم إذ قد صار كالشرط إلا أن تكون شريفة ذات ترفه فعرفها أن لا ترضع وذلك كالشرط، فإن مات الأب ولا مال للصبي فمذهب مالك في