قال القاضي أبو محمد: والراجح عندي من الأقوال في هذه الآية أن يكون أَفَمَنْ للمؤمنين أو لهم وللنبي معهم، إذ قد تقدم ذكر الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ [هود: ١٦] ، فعقب ذكرهم بذكر غيرهم، و «البيّنة» القرآن وما تضمن. و «الشاهد» محمد صلى الله عليه وسلم أو جبريل إذا دخل النبي في قوله: أَفَمَنْ أو الإنجيل والضمير في يَتْلُوهُ للبيّنة، وفي مِنْهُ للرب تعالى، والضمير في قَبْلِهِ للبيّنة وغير هذا مما ذكرته آنفا محتمل.
وقرأ الجمهور «في مرية» بكسر الميم، وقرأ السلمي وأبو رجاء وأبو الخطاب السدوسي «في مرية» بضم الميم، وهما لغتان في الشك، والضمير في مِنْهُ عائد على كون الكفرة موعدهم النار، وسائر الآية بيّن.
وفي هذه الآية معادلة محذوفة يقتضيها ظاهر اللفظ تقديره: أفمن كان على بيّنة من ربه كمن كفر بالله وكذب أنبياءه، ونحو هذا، في معنى الحذف، قوله عز وجل: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى [الرعد: ٣١] ، لكان هذا القرآن، ومن ذلك قول الشاعر:[الطويل]
فأقسم لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
قوله: وَمَنْ استفهام بمعنى التقرير، وكأنه قال: لا أحد أظلم ممن افترى كذبا، والمراد ب مَنْ الكفرة الذين يدعون مع الله إلها آخر ويفترون في غير ما شيء، وقوله: أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ عبارة عن الإشادة بهم والتشهير لخزيهم وإلا فكل بشر معروض على الله يوم القيامة.
وقوله: يَقُولُ الْأَشْهادُ قالت فرقة: يريد الشهداء من الأنبياء والملائكة، فيجيء قوله: هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ إخبارا عنهم وشهادة عليهم وقالت فرقة: الْأَشْهادُ بمعنى الشاهدين، ويريد جميع الخلائق، وفي ذلك إشادة بهم، وروي في نحو هذا حديث:«إنه لا يخزى أحد يوم القيامة إلا ويعلم ذلك جميع من شهد المحشر» فيجيء قوله: هؤُلاءِ- على هذا التأويل- استفهاما عنهم وتثبتا فيهم كما تقول إذا رأيت مجرما قد عوقب: هذا هو الذي فعل كذا وإن كنت قد علمت ذلك، ويحتمل الإخبار عنهم.