وقرأ الباقون «غشاوة» بالرفع.
قال أبو علي: «وقراءة الرفع أولى لأن النصب إما أن تحمله على ختم الظاهر فيعترض في ذلك أنك حلت بين حرف العطف والمعطوف به» وهذا عندنا إنما يجوز في الشعر، وإما أن تحمله على فعل يدل عليه خَتَمَ تقديره وجعل على أبصارهم، فيجيء الكلام من باب: «متقلدا سيفا ورمحا» وقول الآخر:
[الرجز] :
علفتها تبنا وماء باردا ولا تكاد تجد هذا الاستعمال في حال سعة واختيار. فقراءة الرفع أحسن، وتكون الواو عاطفة جملة على جملة» .
قال: «ولم أسمع من الغشاوة فعلا مصرفا بالواو، فإذا لم يوجد ذلك وكان معناها معنى ما اللام منه الياء من غشي يغشى بدلالة قولهم الغشيان فالغشاوة من غشي كالجباوة من جبيت في أن الواو كأنها بدل من الياء، إذ لم يصرف منه فعل كما لم يصرف من الجباوة» .
وقال بعض المفسرين: الغشاوة على الأسماع والأبصار، والوقف في قوله عَلى قُلُوبِهِمْ.
وقال آخرون: «الختم في الجميع، والغشاوة هي الخاتم» .
قال القاضي أبو محمد: وقد ذكرنا اعتراض أبي عليّ هذا القول.
وقرأ أبو حيوة «غشوة» ، بفتح الغين والرفع، وهي قراءة الأعمش.
وقال الثوري: «كان أصحاب عبد الله يقرؤونها «غشية» بفتح الغين والياء والرفع» .
وقرأ الحسن: «غشاوة» بضم الغين، وقرئت «غشاوة» بفتح الغين، وأصوب هذه القراءات المقروء بها ما عليه السبعة من كسر الغين على وزن عمامة والأشياء التي هي أبدا مشتملة، فهكذا يجيء وزنها كالضمامة والعمامة والكنانة والعصابة والربابة وغير ذلك.
وقوله تعالى: وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ معناه بمخالفتك يا محمد وكفرهم بالله استوجبوا ذلك، وعَظِيمٌ معناه بالإضافة إلى عذاب دونه يتخلله فتور، وبهذا التخلل المتصور يصح أن يتفاضل العرضان كسوادين أحدهما أشبع من الآخر، إذ قد تخلل الآخر ما ليس بسواد.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨ الى ٩]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩)
كان أصل النون أن تكسر لالتقاء الساكنين، لكنها تفتح مع الألف واللام. ومن قال: استثقلت كسرتان تتوالى في كلمة على حرفين فمعترض بقولهم من ابنك ومن اسمك وما أشبهه.