عين، وهو به مستغن عن كل واحد، والله تعالى غني عن الناس وعن كل شيء من مخلوقاته غني على الإطلاق، والْحَمِيدُ المحمود بالإطلاق، وقوله تعالى بِعَزِيزٍ أي بممتنع، وتَزِرُ معناه تحمل، والوزر الثقل، وهذه الآية في الذنوب والآثام والجرائم، قاله قتادة وابن عباس ومجاهد، وسببها أن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين اكفروا بمحمد وعلي وزركم، فحكم الله تعالى بأنه لا يحملها أحد عن أحد، ومن تطرق من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمة كفعل زيادة ونحوه فإنما ذلك لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بمؤازرة ومواصلة أو اطلاع على حاله وتقرير لها، فهو قد أخذ من الجرم بنصيب، وهذا هو المعنى في قوله تعالى وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [العنكبوت: ١٣] لأنهم أغووهم، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة بعده، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده» ، وأنثت وازِرَةٌ لأنه ذهب بها مذهب النفس وعلى ذلك أجريت مُثْقَلَةٌ، و «الحمل» ما كان على الظهر في الأجرام، ويستعار للمعاني كالذنوب ونحوها، فيجعل كل محمول متصلا بالظهر، كما يجعل كل اكتساب منسوبا إلى اليد، واسم كانَ مضمر تقديره ولو كان الداعي، ثم أخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه إنما ينذر أهل الخشية وهم الذين يمنحون العلم، أي إنما ينتفع بالإنذار هم وإلا فلنذارة جميع العالم بعثه، وقوله بِالْغَيْبِ أي وهو بحال غيبة عنهم إنما هي رسالة، ثم خصص من الأعمال إقامة الصلاة تنبيها عليها وتشريفا لها، ثم حض على التزكي بأن رجى عليه غاية الترجية، وقرأ طلحة «ومن أزكى فإنما يزكي» ، ثم توعد بعد ذلك بقوله وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ.
قال القاضي أبو محمد: وكل عبارة مقصرة عن تبيين فصاحة هذه الآية، وكذلك كتاب الله كله، ولكن يظهر الأمر لنا نحن في مواضع أكثر منه في مواضع بحسب تقصيرنا.
مضمن هذه الآية طعن على الكفرة وتمثيل لهم بالعمى والظلمات وتمثيل المؤمنين بآرائهم بالبصراء والأنوار، وقوله وَلَا النُّورُ ودخول لَا فيها وفيما بعدها إنما هو على نية التكرار كأنه قال وَلَا الظُّلُماتُ والنور، وَلَا النُّورُ ولا الظلمات، فاستغنى بذكر الأوائل عن الثواني ودل مذكور الآية على متروكه، والْحَرُورُ شدة حر الشمس، وقال رؤبة بن العجاج الْحَرُورُ بالليل والسموم بالنهار، وليس