قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... فوائح في أكمامها لم تفتق
وتعدّى «قضى» في هذه الآية ب «إلى» لما كان بمعنى فرغ، وفرغ يتعدى بإلى ويتعدى باللام، فمن ذلك قول جرير:
ألان فقد فرغت إلى نمير ... فصرت على جماعتها عذابا
ومن الآخر قوله عز وجل سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ [الرحمن: ٣١] وقرأ الأعمش: «فنذر الذين لا يرجون لقاءنا» ، ويَرْجُونَ في هذا الموضع على بابها والمراد الذين لا يؤمنون بالبعث فهم لا يرجون لقاء الله، والرجاء مقترن أبدا بخوف، «والطغيان» الغلو في الأمر وتجاوز الحد، و «العمه» الخبط في ضلال، فهذه الآية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في الناس، يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة فيحملهم أحيانا سوء الخلق على الدعاء في الشر، فلو عجل لهم لهلكوا، وقوله تعالى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ الآية، هذه الآية أيضا عتاب على سوء الخلق من بعض الناس، ومضمنه النهي عن مثل هذا والأمر بالتسليم إلى الله تعالى والضراعة إليه في كل حال والعلم بأن الخير والشر منه لا رب غيره، وقوله لِجَنْبِهِ في موضع حال كأنه قال: مضطجعا، ويجوز أن يكون حالا من الإنسان والعامل فيه مَسَّ، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل في دَعانا والعامل فيه دعا وهما معنيان متباينان، والضُّرُّ لفظ لجميع الأمراض، والرزايا في النفس والمال والأحبة هذا قول اللغويين، وقيل هو مختص برزايا البدن: الهزال والمرض، وقوله مَرَّ يقتضي أن نزولها في الكفار ثم هي بعد تتناول كل من دخل تحت معناها من كافر أو عاص، فمعنى الآية مَرَّ في إشراكه بالله وقلة توكله عليه، وقوله زُيِّنَ إن قدرناه من الله تعالى فهو خلقه الكفر لهم واختراعه في نفوسهم صحبة أعمالهم الفاسدة ومثابرتهم عليها، وإن قدرنا ذلك من الشيطان فهو بمعنى الوسوسة والمخادعة، ولفظة التزيين قد جاءت في القرآن بهذين المعنيين من فعل الله تعالى ومرة من فعل الشياطين.