للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنوين، قال هارون: أهل الكوفة ينونون «ثمودا» في كل وجه، قال أبو حاتم: لا تنون العامة والعلماء بالقرآن «ثمود» في وجه من الوجوه، وفي أربعة مواطن ألف مكتوبة، ونحن نقرؤها بغير ألف، وقوله مُبْصِرَةً على جهة النسب أي معها إبصار، كما قال: آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً [الإسراء: ١٢] أي معها إبصار ممن ينظر، وهذا عبارة عن بيان أمرها، ووضوح إعجازها، وقرأ قوم «مبصرة» بضم الميم وفتح الصاد، حكاه الزجاج، ومعناه متبينة، وقرأ قتادة «مبصرة» بفتح الميم والصاد، وهي مفعلة من البصر ومثله قول عنترة: [الكامل] .

الكفر مخبثة لنفس المنعم وقوله فَظَلَمُوا بِها أي وضعوا الفعل غير موضعه، أي بعقرها، وقيل بالكفر في أمرها، ثم أخبر الله تعالى أنه إنما يرسل بِالْآياتِ غير المقترحة تَخْوِيفاً للعباد، وهي آيات معها إمهال لا معاجلة، فمن ذلك الكسوف والرعد والزلزلة وقوس قزح وغير ذلك، قال الحسن والموت الذريع، وروي أن الكوفة رجفت في مدة عبد الله بن مسعود. فقال: أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه، ومن هذا قول النبي عليه السلام في الكسوف: «فافزعوا إلى الصلاة» الحديث، وآيات الله المعتبر بها ثلاثة أقسام: فقسم عام في كل شيء إذ حيثما وضعت نظرك وجدت آية، وهنا فكرة العلماء، وقسم معتاد غبا كالرعد والكسوف ونحوه، وهنا فكرة الجهلة فقط، وقسم خارق للعادة وقد انقضى بانقضاء النبوءة، وإنما يعتبر به توهما لما سلف منه.

قوله عزّ وجل:

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٠]]

وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠)

قال الطبري: معنى قوله: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ أي في منعك يا محمد وحياطتك وحفظك، فالآية إخبار له بأنه محفوظ من الكفرة، آمن أن يقتل أو ينال بمكروه عظيم، أي فالتبليغ رسالة ربك، ولا تتهيب أحدا من المخلوقين، وهذا تأويل بيّن جار مع اللفظ، وقد روي نحوه عن الحسن بن أبي الحسن والسدي، إلا أنه لا يناسب ما بعده مناسبة شديدة، ويحتمل أن يجعل الكلام مناسبا لما بعده، توطئة له، فأقول: اختلف الناس في الرُّؤْيَا، فقال الجمهور: هي رؤيا عين ويقظة، وهي ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء، قالوا: فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الإسراء بما رأى في تلك الليلة من العجائب، قال الكفار إن هذا لعجيب تحث الحداة إلى بيت المقدس شهرين إقبالا وإدبارا، ويقول محمد إنه جاءه من ليلة وانصرف منه، فافتتن بهذا التلبيس قوم من ضعفة المسلمين، فارتدوا وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآيات فعلى هذا، يحسن أن يكون معنى قوله وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ أي: في إضلالهم وهدايتهم، وأن كل واحد ميسر لما

<<  <  ج: ص:  >  >>