للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعتقد إن شاء الله، وذلك أن العصاة من أمة محمد عليه السلام وغيرها فرقتان: فأما من قضى الله بالمغفرة له وترك تعذيبه، فلا محالة ممن تنزل عليه الملائكة بالبشارة، وهو إنما استقام على توحيده فقط، وأما من قضى الله بتعذيبه مرة ثم بإدخاله الجنة، فلا محالة أنه يلقى جميع ذلك عند موته ويعلمه، وليس يصح أن يكون حاله كحالة الكافر اليائس من رحمة الله، وإذ قد كان هذا فقد حصلت له بشارة بأن لا يخاف الخلود ولا يحزن منه وبأنه يصير آخرا إلى الخلود في الجنة، وهل العصاة المؤمنون إلا تحت الوعد بالجنة، فهم داخلون فيمن يقال لهم: أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ومع هذا كله فلا يختلف أن الموحد المستقيم على الطاعة أتم حالا وأكمل بشارة، وهو مقصد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعلى نحو ذلك قال سفيان: اسْتَقامُوا، عملوا بنحو ما قالوا، وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله. وقال الفضيل زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية، وبالجملة فكلما كان المرء أشد استعدادا كان أسرع فوزا بفضل الله تعالى.

وقوله تعالى: أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا أمنة عامة في كل هم مستأنف، وتسلية تامة عن كل فائت ماض. وقال مجاهد: المعنى لا تخافون ما تقدمون عليه، ولا تحزنوا على ما خلفتم من دنياكم. وفي قراءة ابن مسعود: «الملائكة لا تخافوا» بإسقاط الألف، بمعنى يقولون لا تخافوا.

قوله عز وجل:

[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٣١ الى ٣٥]

نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)

المتكلم ب نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ

هم الملائكة القائلون: «لا تخافوا ولا تحزنوا» أي يقولون للمؤمنين عند الموت وعند مشاهدة الحق نحن كنا أولياءكم في الدنيا ونحن هم في الآخرة. قال السدي المعنى: نحن حفظتكم في الدنيا وأولياؤكم في الآخرة، والضمير في قوله: فِيها

عائد على الآخرة. و: تَدَّعُونَ

معناه: تطلبون. و: نُزُلًا نصب على المصدر. وقراءة الجمهور: بضم الواو. وقرأ أبو حيوة: بإسكانها.

وقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا الآية ابتداء توصية محمد عليه السلام، وهو لفظ يعم كل من دعا قديما وحديثا إلى الله تعالى وإلى طاعته من الأنبياء والمؤمنين، والمعنى: لا أحد أحسن قولا ممن هذه حاله، وإلى العموم ذهب الحسن ومقاتل وجماعة، وبين أن حالة محمد عليه السلام كانت كذلك مبرزة إلى تخصيصه بالآية ذهب السدي وابن زيد وابن سيرين. وقال قيس بن أبي حازم وعائشة أم المؤمنين وعكرمة:

نزلت هذه الآية في المؤذنين. قال قيس: وَعَمِلَ صالِحاً هو الصلاة بين الآذان والإقامة. وذكر النقاش

<<  <  ج: ص:  >  >>