الأرض التي يسير إليها سليمان عليه السلام كائنة ما كانت، وذلك أنه لم يكن يسير إلى أرض إلا أصلحها وقتل كفارها وأثبت فيها الإيمان وبث فيها العدل. ولا بركة أعظم من هذا، فكأنه قال إلى أي أرض باركنا فيها بعثنا سليمان إليها.
يحتمل أن يكون قوله تعالى: يَغُوصُونَ في موضع نصب على معنى وسخرنا، ويحتمل أن يكون في موضع رفع على الابتداء، ويتناسب هذا مع القراءتين المتقدمتين في قوله تعالى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ [سبأ: ١٢] بالنصب والرفع وقوله تعالى: يَغُوصُونَ جمع على معنى مِنَ لا على لفظها.
و «الغوص» الدخول في الماء والأرض والعمل دون ذلك البنيان وغيره من الصنائع والخدمة ونحوه، وقوله تعالى: وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ قيل معناه من إفسادهم ما صنعوه فإنهم كان لهم حرص على ذلك لولا ما حال الله تعالى: «بينهم وبين ذلك» ، وقيل معناه عادين وحاصرين أي لا يشذ عن علمنا وتسخيرنا أحد منهم وقوله: وَأَيُّوبَ أحسن ما فيه النصب بفعل مضمر تقديره واذكر أيوب، وفي قصص أيوب عليه السلام طول واختلاف من المفسرين، وتلخيص ذلك أنه روي أن أيوب عليه السلام، كان نبيا مبعوثا إلى قوم، وكان كثير المال من الإبل والبقر والغنم، وكان صاحب البثنية من أرض الشام يغمر كذلك مدة، ثم إن الله تعالى، لما أراد محنته وابتلاءه، أذن لإبليس في أن يفسد ماله، فاستعان بذريته فأحرقوا ماله ونعمه أجمع، فكان كلما أخبر بشيء من ذلك حمد الله تعالى وقال هي عارية استردها صاحبها والمنعم بها، فلما رأى إبليس ذلك جاء فأخبر بعجزه عنه، وأذن الله له في إهلاكه بنيه وقرابته ففعل ذلك أجمع، فدام أيوب على شكره وصبره، فأخبره إبليس بعجزه، فأذن الله له في إصابته في بدنه وحجر عليه لسانه وعينيه وقلبه، فجاءه إبليس وهو ساجد، فنفخ في أنفه نفخة احترق بدنه منها وجعلها الله تعالى أكلة في بدنه، فلما عظمت وتقطع أخرجه الناس من بينهم وجعلوه على سباطة ولم يبق معه بشر حاشى زوجته، ويقال كانت بنت يوسف الصديق، وقيل اسمها رحمة، وقيل في أيوب إنه من بني إسرائيل، وقيل من الروم من قرية عيصو، فكانت زوجته تسعى عليه وتأتيه يأكل وتقوم عليه، فدام في هذا العذاب مدة طويلة قيل ثلاثين سنة، وقيل ثماني عشرة، وقيل اثنتي عشرة، وقيل تسعة أعوام، وقيل ثلاثة، وهو في كل ذلك صابر شاكر، حتى جاءه فيما روي ثلاثة ممن كان آمن به فوقذوه بالقول وأنبوه ونجهوه. وقالوا ما صنع بك ربك هذا إلا لخبث باطنة فيك، فراجعهم أيوب في آخر قولهم بكلام مقتضاه أنه ذليل لا يقدر على إقامة حجة ولا بيان ظلامة، فخاطبه الله تعالى معاتبا على هذه المقالة ومبينا أنه لا حجة لأحد مع الله ولا يسأل عما يفعل ثم عرفه تعالى بأنه قد أذن في صلاح حاله وعاد عليه بفضله، فدعا أيوب عند ذلك فاستجيب له، ويروى أن أيوب لم يزل