فأحرز المعنى ونكب عن نداء هنيدة «مالك» ، وبِإِذْنِ اللَّهِ معناه: بعلمه وتمكينه إياه من هذه المنزلة، ومُصَدِّقاً حال من ضمير القرآن في نَزَّلَهُ و «ما بين يديه» : ما تقدمه من كتب الله تعالى، هُدىً إرشاد، والبشرى: أكثر استعمالها في الخير، ولا تجيء في الشر إلا مقيدة به، ومقصد هذه الآية:
تشريف جبريل صلى الله عليه وسلم وذم معاديه.
وقوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ الآية وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام، وإعلام أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم، وعداوة العبد لله هي معصيته واجتناب طاعته ومعاداة أوليائه، وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه، وذكر جبريل وميكائيل وقد كان ذكر الملائكة عمهما تشريفا لهما، وقيل خصا لأن اليهود ذكروهما ونزلت الآية بسببهما، فذكرهما واجب لئلا تقول اليهود إنا لم نعاد الله وجميع ملائكته، وقرأ نافع «ميكائل» بهمزة دون ياء، وقرأ بها ابن كثير في بعض ما روي عنه، وقرأ ابن عامر وابن كثير أيضا وحمزة والكسائي، «ميكائيل» بياء بعد الهمزة، وقرأ أبو عمرو وعاصم «ميكال» ، ورويت عن ابن كثير منذ رآها في النوم كما ذكرنا، وقرأ ابن محيصن «ميكئل» بهمزة دون ألف، وقرأ الأعمش «ميكاييل» بياءين، وظهر الاسم في قوله: فَإِنَّ اللَّهَ لئلا يشكل عود الضمير، وجاءت العبارة بعموم الكافرين لأن عود الضمير على من يشكل سواء أفردته أو جمعته، ولو لم نبال بالاشكال وقلنا المعنى يدل السامع على المقصد للزم تعيين قوم بعداوة الله لهم، ويحتمل أن الله تعالى قد علم أن بعضهم يؤمن فلا ينبغي أن تطلق عليه عداوة الله للمآل.
وروي أن رجلا من اليهود لقي عمر بن الخطاب فقال له: أرأيت جبريل الذي يزعم صاحبك أنه يجيئه ذلك عدونا، فقال له عمر رضي الله عنه: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ إلى آخر الآية، فنزلت على لسان عمر رضي الله عنه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الخبر يضعف من جهة معناه.
وقوله تعالى: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ، ذكر الطبري أن ابن صوريا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئت بآية بينة؟ فنزلت هذه الآية. والْفاسِقُونَ هنا الخارجون عن الإيمان، فهو فسق الكفر، والتقدير: ما يَكْفُرُ بِها أحد إِلَّا الْفاسِقُونَ، لأن الإيجاب لا يأتي إلا بعد تمام جملة النفي.