وقوله تعالى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ الآية. نزل على سبب لم يتقدم له ذكر فيما مضى من الآيات، ولكن أجمع أهل التفسير أن اليهود قالت: جبريل عدونا، واختلف في كيفية ذلك، فقيل إن يهود فدك قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نسألك عن أربعة أشياء فإن عرفتها اتبعناك، فسألوه عما حرم إسرائيل على نفسه، فقال: لحوم الإبل وألبانها، وسألوه عن الشبه في الولد، فقال: أي ماء علا كان الشبه له، وسألوه عن نومه، فقال: تنام عيني ولا ينام قلبي، وسألوه عمن يجيئه من الملائكة، فقال: جبريل، فلما ذكره قالوا ذاك عدونا، لأنه ملك الحرب والشدائد والجدب، ولو كان الذي يجيئك ميكائيل ملك الرحمة والخصب والأمطار لاتبعناك، وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتكرر على بيت المدارس فاستحلفهم يوما بالذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتعلمون أن محمدا نبي؟ قالوا نعم، قال: فلم تهلكون في تكذيبه، قالوا: صاحبه جبريل وهو عدونا، وذكر أنهم قالوا سبب عداوتهم له أنه حمى بختنصر حين بعثوا إليه قبل أن يملك من يقتله، فنزلت هذه الآية لقولهم.
وفي جبريل لغات:«جبريل» بكسر الجيم والراء من غير همز، وبها قرأ نافع، و «جبريل» بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز، وبها قرأ ابن كثير، وروي عنه أنه قال:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقرأ جبريل وميكال فلا أزال أقرؤهما أبدا كذلك» ، وجبريل بفتح الجيم والراء وهمزة بين الراء واللام وبها قرأ عاصم، و «جبرءيل» بفتح الجيم والراء وهمزة بعد الراء وياء بين الهمزة واللام، وبها قرأ حمزة والكسائي وحكاها الكسائي عن عاصم، «وجبرائل» بألف بعد الراء ثم همزة وبها قرأ عكرمة، و «جبرائيل» بزيادة ياء بعد الهمزة، و «جبراييل» بياءين وبها قرأ الأعمش، و «جبرئل» بفتح الجيم والراء وهمزة ولام مشددة، وبها قرأ يحيى بن يعمر، و «جبرال» لغة فيه، و «جبرين» بكسر الجيم والراء وياء ونون، قال الطبري:«هي لغة بني أسد» ولم يقرأ بها، و «جبريل» اسم أعجمي عربته العرب فلها فيه هذه اللغات، فبعضها هي موجودة في أبنية العرب، وتلك أدخل في التعريب كجبريل الذي هو كقنديل، وبعضها خارجة عن أبنية العرب فذلك كمثل ما عربته العرب ولم تدخله في بناء كإبريسم وفرند وآجر ونحوه.
وذكر ابن عباس رضي الله عنه وغيره أن «جبر» و «ميك» و «سراف» هي كلها بالأعجمية بمعنى عبد ومملوك، وإيل اسم الله تعالى، ويقال فيه إلّ، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع سجع مسيلمة: هذا كلام لم يخرج من إلّ.
وقوله تعالى: فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ الضمير في فَإِنَّهُ عائد على الله عز وجل، والضمير في نَزَّلَهُ عائد على جبريل صلى الله عليه وسلم، والمعنى بالقرآن وسائر الوحي، وقيل: الضمير في «إنه» عائد على جبريل وفي نَزَّلَهُ على القرآن، وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف، وجاءت المخاطبة بالكاف في قَلْبِكَ اتساعا في العبارة إذ ليس ثم من يخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكاف، وإنما يجيء قوله: فإنه نزله على قلبي، لكن حسن هذا إذ يحسن في كلام العرب أن تحرز اللفظ الذي يقوله المأمور بالقول ويحسن أن تقصد المعنى الذي يقوله فتسرده مخاطبة له، كما تقول لرجل:
قل لقومك لا يهينوك، فكذلك هي الآية، ونحو من هذا قول الفرزدق [الطويل]
ألم تر أنّي يوم جو سويقة ... بكيت فنادتني هنيدة ما ليا